Page 188 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 188

‫العـدد ‪34‬‬                             ‫‪186‬‬

                               ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬                     ‫بالإسلام ومهما ابتغينا العزة‬
                                                                         ‫في غيره أذلنا الله‪.‬‬
       ‫الإجابة هي‪ :‬الفلسفة‪.‬‬        ‫بين احتياجاتهم وتوقعات‬
   ‫الفلسفة هي أم العلوم وأم‬        ‫المجتمع‪ .‬جعلتنا الأصولية‬     ‫وهذه النظرة تجعل علاقتنا‬
  ‫نظرية المعرفة‪ .‬الفلسفة هي‬    ‫الدينية نقرأ التاريخ كأنه خط‬   ‫بالعلم مضطربة‪ ،‬فحين نبحث‬
                                   ‫مستقيم فيه الغرب شرير‬      ‫عن العزة في الدين فقط يفوتنا‬
     ‫التي روضت الأسطورة‬         ‫على طول الخط ونحن طيبون‬
     ‫الدينية ووضعتها تحت‬       ‫ومظلومون على طول الخط‪ ،‬لا‬          ‫قطار العلم‪ ،‬وحين نضطر‬
    ‫مظلة العقل‪ .‬ولعل تجربة‬       ‫نستفيد من منتوجه الفكري‬       ‫للتعامل معه نحاول إخضاعه‬
‫الإصلاح اليهودي في أوروبا‬        ‫والعلمي ونهدر الطاقات في‬
‫(الهاسكلا) هي أقرب لواقعنا‬         ‫كراهية تسممنا ولا تضر‬            ‫للدين عن طريق أكذوبة‬
     ‫اليوم من تجربة التنوير‬        ‫من نظنهم أعداءنا‪ .‬وهكذا‬     ‫الإعجاز العلمي‪ .‬الدين جعلنا‬
  ‫الأوروبية‪ ،‬وكان أحد رواد‬          ‫كانت التجارب التنويرية‬     ‫نقسم التاريخ لجاهلية ونور‬
   ‫هذه الحركة هو فيلسوف‬         ‫عندنا تجارب فردية كجداول‬        ‫ونقسم العالم لمؤمن وكافر‪،‬‬
  ‫ورجل دين في نفس الوقت‬           ‫صغيرة لم تلتق أب ًدا لتكون‬
   ‫وهو موسي مندلسون في‬            ‫تيا ًرا‪ ،‬فجف معظمها وسط‬         ‫ونحن بهذا نقطع الطريق‬
     ‫القرن الثامن عشر‪ .‬كان‬          ‫صحراء الرجعية الدينية‬          ‫بيننا وبين الثقافات التي‬
  ‫اليهود في عصره يعيشون‬        ‫وصخور الاستبداد السياسي‪.‬‬          ‫سبقتنا والتي جاءت بعدنا‬
  ‫في أحياء مغلقة معزولة عن‬                                      ‫ونحرم أنفسنا من تجاربهم‬
     ‫المجتمع الألماني‪ ،‬وكانوا‬        ‫وهنا يأتي السؤال‪ :‬هل‬      ‫ومعارفهم‪ .‬الأصولية الدينية‬
   ‫يرتدون القفطان والملابس‬           ‫التنوير تجربة مناقضة‬     ‫جعلتنا نستنجد بالماضي لنحل‬
     ‫التقليدية‪ ،‬فكانوا يبدون‬                                  ‫مشاكل الحاضر فازدادت هذه‬
 ‫كجسد غريب داخل المجتمع‬                  ‫لطبيعتنا وتجربتنا‬    ‫المشاكل تعقي ًدا‪ .‬جعتلنا نفصل‬
‫الألماني‪ ،‬وكانوا يصرون على‬         ‫وتاريخنا ومناخنا كعرب‬           ‫النص المقدس عن سياقه‬
‫تطبيق شريعتهم اليهودية في‬           ‫أو كشرقأوسطيين؟ هل‬           ‫التاريخي والسوسيولوجي‬
 ‫كل الظروف‪ ،‬لكن مندلسون‬          ‫ظهور الديانات السماوية في‬
‫ذكرهم بمبدأ تعطيل الشريعة‬          ‫منطقتنا على وجه التحديد‬            ‫وعن الفلسفة والأدب‬
‫القديم من زمن الأسر البابلي‪،‬‬         ‫حال بيننا وبين تجارب‬     ‫والتحليل اللغوي فجعلنا الدين‬
     ‫والذي ابتكره حاخامات‬         ‫فكرية ومجتمعية مغايرة؟‬
    ‫اليهود للتعايش مع ثقافة‬     ‫ولكن كيف تحررت المسيحية‬        ‫معيا ًرا لكل شيء‪ .‬حتى حين‬
   ‫غريبة عليهم ألا وهو مبدأ‬         ‫واليهودية في الغرب من‬         ‫نتحدث عن التنوير نجعل‬
   ‫«دينا دي ملكوتا دينا»‪ ،‬أو‬       ‫التراث القبلي الإبراهيمي؟‬      ‫الدين مقيا ًسا له فنظن أن‬
  ‫القانون هو قانون الملك‪ .‬ثم‬                                       ‫التنوير هو مجرد تطوير‬
 ‫طالبهم بنزع ثيابهم الغريبة‬        ‫أورهان باموك‬
 ‫عن المجتمع الألماني وارتداء‬                                   ‫الخطاب الديني‪ .‬جعلتنا ننظر‬
 ‫الملابس الحديثة‪ ،‬وراح يهتم‬                                       ‫للفرد والمرأة والجسد من‬
   ‫بتدريس العلوم والفلسفة‬
‫داخل معابد الطائفة اليهودية‪،‬‬                                    ‫منظور أخلاق القبيلة لا من‬
  ‫وشجعهم على ترك الأحياء‬                                      ‫منظور المجتمع المفتوح‪ ،‬وهكذا‬
  ‫اليهودية والعمل بمهن مثل‬                                    ‫أهدرنا طاقات النساء والرجال‬
  ‫الطب والمحاماة والتدريس‪.‬‬
  ‫وقال مقولته الشهيرة‪ :‬كن‬                                           ‫في محاولة التوفيق بين‬
                                                              ‫متطلباتهم النفسية والجسدية‬
                                                               ‫وبين توقعات الدين والمجتمع‬

                                                                ‫(القبيلة) منهم‪ .‬أما ما تبقى‬
                                                                  ‫من هذه الطاقة فيضيع في‬
                                                                  ‫النفاق لأنهم في الغالب لا‬
                                                               ‫يستطيعون خلق هذا التوازن‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193