Page 189 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 189

‫‪187‬‬           ‫الملف الثقـافي‬

‫موسي مندلسون‬  ‫سيجموند فرويد‬     ‫جون ستيوارت ميل‬                      ‫يهود ًّيا في بيتك وألمانيًّا في‬
                                                                     ‫الشارع! وهكذا خرج من‬
 ‫عس ًل‪ ..‬ربما ما زالت العقلية‬        ‫القرآن والرسول‪ ،‬فظلت‬           ‫بين يهود أوروبا في ظرف‬
  ‫الدينية القبلية في مجتمعاتنا‬   ‫ثقافتنا محبوسة في العاطفية‬          ‫قرنين من الزمان عباقرة‬
‫محصورة في دور النمل‪ ،‬فهي‬         ‫والقبلية الساميّة‪ ،‬وفي العقلية‬       ‫في الطب والفيزياء والفن‬
‫تعيش على ما جمعته من أفكار‬                                           ‫وعلم النفس وشاركوا في‬
   ‫ونصوص قديمة ولا تنتج‬              ‫السحرية التي تعيش في‬             ‫تجربة التنوير الأوروبية‬
                                  ‫الماضي وتنتظر الخلاص في‬            ‫بقوة‪ .‬خرج منهم عشرات‬
    ‫ما يفيدها في عصرنا هذا‪.‬‬       ‫المعجزات أو في القائد الملهم‬   ‫الحاصلين على جائزة نوبل في‬
 ‫عقلية النملة تعيد إنتاج نفس‬    ‫المخلص‪ ،‬في حين تحرر العقل‬          ‫كل مجالات العلوم والآداب‪،‬‬
  ‫النموذج الفكري والسياسي‬       ‫الغربي من الخرافة والعاطفية‬          ‫كما خرج منهم سيجموند‬
‫بصيغتين مختلفتين في الشكل‬          ‫واعتمد على الأبستمولوجيا‬          ‫فرويد الذي أزال القدسية‬
 ‫لا في المضمون‪ :‬إما الأصولية‬                                       ‫عن القصص اليهودية وعن‬
  ‫الإسلامية مثل حكم البشير‬           ‫والمنطق والتجربة فأنتج‬        ‫شخصية موسى عن طريق‬
                                  ‫عقلية الصانع المحلل المنتج‪،‬‬       ‫التحليل النفسي‪ ،‬واستخدم‬
    ‫وطالبان وإيران وحماس‬         ‫وهذا الفرق يذكرني بتقسيم‬         ‫معهم نفس أسلوبه في تحليل‬
     ‫وداعش‪ ،‬أو الـ ستالينية‬                                       ‫الأسطورة الإغريقية‪ .‬واليوم‬
‫البدوية مثل حكم عبد الناصر‬             ‫الفيلسوف الإنجليزي‬             ‫يفتخر اليهود بعباقرتهم‬
     ‫والقذافي وصدام والأسد‬      ‫فرنسيس بيكون للبشر‪ ،‬حين‬             ‫حتى الذين أنكروا تاريخية‬
                                                                  ‫القصص اليهودية وحتى من‬
         ‫وبوتفليقة وآخرين‪.‬‬          ‫شبّه بعضهم بالنمل الذي‬       ‫أنكروا وجود إله من الأساس‪.‬‬
        ‫وربما لا تزال العقلية‬       ‫يجمع أشيا ًء ويحتفظ بها‬          ‫ولكن القصص الدينية في‬
        ‫التنويرية عندنا أي ًضا‬     ‫دون أن ينتج شيئًا جدي ًدا‪،‬‬     ‫ثقافتنا الإسلامية والمسيحية‬
 ‫محصورة في دور العنكبوت‪،‬‬            ‫وشبّه بعضهم بالعنكبوت‬        ‫الشرقية‪ ،‬رغم أنها مبنية أي ًضا‬
    ‫فتنتج أو تعيد إنتاج أفكار‬         ‫الذي ينسج حول رأسه‬             ‫على أساطير‪ ،‬قد خاصمت‬
 ‫بحتة عن الحريات والحقوق‪،‬‬       ‫خيو ًطا تصير سجنًا له‪ ،‬وشبّه‬
    ‫وتظل محبوسة في شباك‬          ‫بعضهم بالنحل الذي يتغذى‬               ‫الحضارات والفلسفات‬
                                     ‫على رحيق الأزهار لينتج‬          ‫القديمة التي استقت منها‬
                                                                      ‫قصصها وأساطيرها في‬
                                                                    ‫مصر والعراق‪ ،‬وشيطنتها‬
                                                                   ‫إلى حد ما‪ ،‬ولم تبرز دورها‬
                                                                   ‫الفكري والحضاري بالشكل‬
                                                                  ‫الذي يليق بها‪ .‬تحولت عندنا‬
                                                                 ‫الأسطورة إلى تاريخ والفلسفة‬
                                                                    ‫إلى تهافت وضلال‪ ،‬ورحنا‬
                                                                  ‫نلعن علماءنا وفلاسفتنا بد ًل‬
                                                                    ‫من أن ندين لهم بالعرفان‪،‬‬

                                                                       ‫ورحنا حتى نسجن من‬
                                                                 ‫ينادون بتنقية التراث وتجديد‬

                                                                     ‫الخطاب الديني دفا ًعا عن‬
   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194