Page 245 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 245
243 ثقافات وفنون
كتب
الغربة وتحويل الجسد إلى متاهة ال ّدفين في أعماق النفس .وتظهر وحين هممت لأخرج
معتمة ومقفرة ،ويظهر الشاعر طالبًا الذات في هذا المستوى بوصفها أوقفني
موضو ًعا أي ًضا ،لتكون السياقات
لمطلوب غائب وناء ،وهو ما يف ّسر سياقات تأ ّمل في الحالة ُتستنفر كي يمنحني
تكرار مفردة “أحاول” بصيغتها فيها الحواس بفضل الجسد لحيازة رس ًما منه()1
الأصليّة وبصيغ جنيسة في أكثر من بعض المعنى .وتتأ ّسس في الن ّصين يشتق المتكلّم من ذاته ذوا ًتا بوجه ما،
ن ّص .والجسد بما سبق ليس جس ًدا، السابقين حركتين في منتهى الأهميّة ذلك أ ّن الوجه يلاحقه ،بينما يحاول
أي مسكنًا للذات إلا في حالة عانقت محاولة الهروب من جهة ومحاولة هو الفرار بالاختفاء أو بالهروب إلى
فيه الذات من تح ّب ،ولهذا فإ ّن توالي العودة ثانيًا بينما المسكن موضوع الخارج ،هناك تعارض بين المتكلّم
الصيغ التقرير ّية في شعر الديوان في الهروب والعودة هو الوجه ،هنا ووجهه في الفعل والحالة يحيل إلى
الظاهر ما هو في حقيقة الأمر سوى تحدي ًدا تتج ّل الحيرة ،هل ترغب تشظية تطال الجسد ،فهو ليس ك ًّل
مخاتلة لأ ّن العمل القولي التداولي إ ّنما الذات في السكن أو في الهروب؟ واح ًدا ،وإ ّنما هو فضاء تيه دال على
هو الطلب ،ثمة قيمة طلبيّة يو ّطنها ويتّسع الموضوع في ن ّص “متى يعود صراع بين الوجه والذات .يستدعي
القول الشعري على محور المتكلّم الغائب” حيث يعبّر ضمير الغائب الشاعر معجم الجسد ويعيد
والمخا َطب الضمني الغائب ،وتتّسع عن غائب يشتاق الشاعر إليه قائ ًل: صياغته صياغة جديدة تتأ ّسس
المكابدة بين القطبين جيئة وذها ًبا. ضمن المستوى التخييلي ،فالوظيفة
لقد أتاح اختيار معجم الجسد ،وهو فأد ّس بعيني ك ّل ملامحه الإعلاميّة تتراجع لصالح الوظيفة
اختيار أسلوبي أخذ به الشاعر حين أحاول التعبير ّية الإشار ّية التي تندرج في
التو ّغل في كينونة داخليّة متو ّترة سياقات السرد حيث يتّسع الفعل
تو ّجهها الأهواء ومن أه ّمها انعدام أن أملأ صدري الاستعاري المتعلّق بالوجه الذي
من طيب روائحه يفعل بق ّوة فيلاحق ويتف ّرس ويعانق
الطمأنينة والحيرة وصو ًل إلى آه يا بلورة عيني()3 ويمنح الذات رس ًما منه .ويتأ ّكد هذا
البؤس ،فكان هذا الجسد مج ّرد تهيمن الصيغة الفعلية ،ويبدو الانفصال بين الذات والوجه في ن ّص
غرف فارغة ،غرفة العين فارغة المتكلّم ،هنا ،فاع ًل محاو ًل يسعى “أنا ووجهي” ،يقول:
من ملامح البعيد ،وغرفة الصدر إلى استرجاع الغائب واسترجاع عدت إلى وجهي
فارغة من رائحته ،وغرفة الذاكرة جسده من خلاله بنفي الفراغ عنه فيما حاول
وملئه ،ملء العينين بالملامح وملء
فارغة هي الأخرى من صور الصدر بالرائحة ،فيتأ ّسس بفعل من أن ينفلت
وجهه ،وغرفة الكلام خالية من هذا معنى الشكوى من غياب الآخر ويهرب
النطق ،ليتش ّكل هذا كلّه ضمن دائرة الحميم بوصفه سببًا مكينًا في إشعال ويغلق ك ّل مداخله
افتقار الذات إلى جسد قادر فعليًّا وير ّد الباب
على إسكانها واحتضانها ،فكأ ّنها محمد الشحات لأمضي
الذات ،حينئذ ،روح هائمة على
وجهها من وجع الحزن الثقيل .ولا فأد ّق
يخ ّفف من هذا المعنى سوى تك ّرر بما يجعلني أسترق السمع
المحاولة ،فالحواس تتعلّق بمطمح
اللقاء بشكل من الأشكال .إ ّننا حيال أرقب
ذات غريبة ك ّل الغربة عن جسدها رجفات عيوني()2
المقدود لها ،وهي بهاته الغربة غريبة يتّضح بهذا أكثر منطق التحويل
بنفس القدر عن الزمان حاضره الذي يلجأ له الشاعر بإعادة
وماضيه ومستقبله ،ذلك أ ّن الأشياء تركيب عالم الذات في إطار الجسد
تخفت أمامها ك ّل الخفوت ،وتبزغ المتش ّظي ،بوصفها ذا ًتا حائرة
وغريبة ،بالحركة تعبير عن القلق

