Page 246 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 246

‫العـدد ‪34‬‬                               ‫‪244‬‬

                                        ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫والقهر الذي يضرب على الإنسان‬           ‫شعر الشاعر اليوغسلافي فاسكو‬             ‫صورة القبر هنا وهناك‪ ،‬في إشارة‬
‫بغ ّض النظر عن ظرفه‪ ،‬يقول الشاعر‬         ‫بوبا حين قوله على سبيل المثال لا‬           ‫إلى الارتعاب من عدم اللّقاء قبل‬

     ‫في نص “من يوميات سجين”‪:‬‬                                   ‫الحصر‪:‬‬             ‫الموت‪ ،‬والزمن في ك ّل ذالك مخادع‬
                    ‫كان الس ّجان‬                ‫أخرج من أبد ّيتي المس ّورة‬       ‫كبير والذات مخدوعة كبرى‪ ،‬يقول‬
                                           ‫من مدار النجم حول مدار قلبي‬
         ‫يحاول أن يسرق ضحكته‬                     ‫من فمي المفعم بالشمس‬                                   ‫ال ّشاعر‪:‬‬
                          ‫هدأته‬              ‫أخرج من البحر الهازئ لدمي‬                             ‫ومداد حروفي‬
                                                                                       ‫في محبرة ج ّفت حين رحلت‬
            ‫لحظات سكون النفس‬                           ‫من م ّدي وجزري‬
         ‫فساومه كي يملك زنزانته‬                ‫أخرج من صمتي الشريد(‪)6‬‬                                ‫فلا تتركني‬
                                         ‫ولر ّبما‪ ،‬حينئذ‪ ،‬يمكن ضمن دائرة‬                             ‫طال وقوفي‬
                          ‫أغراه‬             ‫القراءة أن يتأ ّول القارئ بما أ ّن‬                 ‫منتظ ًرا خلف الباب‬
     ‫بأن يتركه ويف ّك قيو ًدا عنه(‪.)7‬‬   ‫شعر الديوان لا يجري على المطابقة‬
     ‫ألا ينتفي السجن براحة النفس‬         ‫مع الواقع وإ ّنما يح ّوله على محور‬                             ‫وإن د ّق‬
  ‫وسكينتها المنبجسة منها الضحكة‬             ‫التركيب ضمن تأ ّملات شاكية‬                            ‫فصوت هواء(‪)4‬‬
   ‫المعبّرة عن الفرحة‪ ،‬ليست هناك‪،‬‬         ‫وموجعة على أ ّنه انغماس وانغمار‬        ‫ويندمج القول الشعري في نصوص‬
  ‫إذن‪ ،‬دلالة مرجعيّة‪ ،‬دائر ّية‪ ،‬مغلقة‬     ‫في غربة حزينة لا تصاغ صياغة‬           ‫من الديوان بتمظهرات سورياليّة كما‬
    ‫على نفسها‪ ،‬وإ ّنما يملك الإنسان‬         ‫رومنسية‪ ،‬بل تصاغ كما رأينا‬             ‫هو الأمر في ن ّص “أنا والشعر”‪:‬‬
    ‫وصورته هنا السجين أن يح ّول‬          ‫صياغة تصل في ذروتها إلى العبث‬
     ‫الحالة من النقيض إلى النقيض‬          ‫بالمفردة اللغو ّية تعبي ًرا عن العبث‬                        ‫لو كان لي‬
 ‫وأن يكتب كينونة جديدة من خلال‬          ‫في الحياة‪ .‬ويعني هذا أ ّن الكتابة في‬           ‫أن أنتقي بع ًضا من الأشعار‬
 ‫معاناته‪ ،‬فهذا التشظي الذي تتو ّرط‬        ‫الدفتر ر ّبما ليست شيئًا آخر غير‬
     ‫فيه الذات ملهم لمعاني إنسانيّة‬      ‫هاته الإشارات التي ترسلها الذات‬                               ‫ث ّم ألوكها‬
‫صميمة تتح ّقق لمّا تتصالح الذات مع‬       ‫من مكمنها في انتظار تلويحة ما في‬                ‫وأعيدها لأب ّث في أوصالها‬
  ‫نفسها وتنسجم النفس مع الجسد‬
‫في ك ّل واحد طامح بق ّوة‪ ،‬وإ ّن صوت‬                        ‫الأفق الكبير‪.‬‬                   ‫ما قد يح ّركني‪ .‬ص‪23‬‬
   ‫المتكلّم ليصدع من هذا المنطلق في‬                                                  ‫وكذلك في نص “محاولة للبقاء‬
   ‫ن ّص “عندما يج ّف الدمع” قائ ًل‪:‬‬       ‫‪ -2‬كينونة إنسان ّية‬
                                               ‫متش ّظية‪:‬‬                                               ‫منتب ًها”‪:‬‬
                ‫يا ُحزن‪ ..‬قل‪ ..‬لي‬                                                       ‫كنت أحاول أن أبقى منتب ًها‬
                      ‫كيف أُفرغ‬             ‫تتعالق معاني ديوان “يكتب في‬
                                           ‫دفتره” مع بقيّة دواوين الشاعر‬                      ‫وأش ّد وثاقه بوثاقي‬
         ‫ك ّل هذا الحزن من وطني‬           ‫في سياق كبير يجعل من التجربة‬                              ‫حتّى لا أفلته‬
               ‫وقد ج ّف البكاء!(‪)8‬‬        ‫الذاتيّة حاملة له ّم الإنسان عمو ًما‬                        ‫وأنفضني‬
                                          ‫في مستوى نضالي يتّضح بإعادة‬
       ‫فما يتح ّقق هنا من الأسلوب‬         ‫الاعتبار للحقيقة المغمورة في ثنايا‬               ‫قد يتساقط من صدري‬
    ‫الإنشائي ندا ًء واستفها ًما حيرة‬     ‫اليومي‪ ،‬تلك الحقيقة الموجعة التي‬                          ‫بعض ضلوع‬
    ‫مضاعفة موضوعها حيال حزن‬             ‫تجعل من الأشياء متح ّجرة وتنزاح‬                                  ‫ضاقت‬
‫جماعي يتجاوز الفرد‪ ،‬وتحضر‪ ،‬م ّرة‬        ‫بمفهوم السجن من تركيب الكلمات‬                                  ‫وا ّتسعت‬
   ‫أخرى‪ ،‬تعبيرة الشاعر في مفردة‬         ‫الشعر ّية من دلالته الاصطلاحيّة إلى‬                             ‫وانغلقت‬
 ‫“أفرغ” لتذ ّكر بمعجم الجسد‪ ،‬غير‬         ‫دلالة أعمق تتّضح في معاني القلق‬
 ‫أ ّن الجسد هنا هو الوطن‪ ،‬وإذا كان‬                                                               ‫فتر ّهل وجهي(‪)5‬‬
     ‫الجسد كما رأينا ساب ًقا أفضية‬                                                ‫ولر ّبما تمثّل هاته السياقات ذروة‬
 ‫وأمكنة فإ ّن ه ّمة المتكلّم ومن ورائه‬                                            ‫عذاب الذات حتّى تتّسع ظلال تلك‬
‫الشاعر متعلّقة بتطهيره من الألم في‬
                                                                                    ‫العذابات على جسد لغوي ناطق‬
                                                                                 ‫بالحالة العبثيّة التي تنفي ك ّل منطق‬

                                                                                    ‫في التواصل وتع ّري الأشياء من‬
                                                                                     ‫دفئها‪ ،‬وهو سياق معبّر يلتقط‬

                                                                                  ‫التعبير الشعري السوريالي كما في‬
   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250   251