Page 248 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 248

‫ثقافات وفنون‬                       ‫العـدد ‪34‬‬                                    ‫‪246‬‬

‫شخصيات‬                             ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬                             ‫محمود الغيطاني‬

‫كسر الأمواج‪..‬‬

‫الله كمأزق رومانسي!‬

 ‫في تقديمه بشكل ُموغل في الفنية‬    ‫سخريته من الله نفسه الذي يبدو‬             ‫في تجربة سينمائية قد نصفها‬
   ‫من خلال أسلوبية المُخرج التي‬    ‫لنا شري ًرا‪ ،‬راغبًا دائ ًما في التلاعب‬
     ‫تخصه‪ ،‬وهي الأسلوبية التي‬      ‫والانتقام من البشر لمُجرد الرغبة‬         ‫بالجنوح نحو الجنون‪ ،‬أو ال ُشطح‬
                                                                                  ‫في الخيال يقدم لنا المُخرج‬
 ‫يعمل على تطويرها فيلم بعد آخر‬       ‫في التلاعب واللهو وكأنه يشعر‬
   ‫ليصل بها إلى آفاق أكثر رحابة‬     ‫بالملل في ملكوته الذي يوجد فيه‬           ‫والسيناريست الدانماركي ‪Lars‬‬
                                                                           ‫‪ Von Trier‬لارس فون ترير فيلمه‬
 ‫يتميز بها عن غيره من المُخرجين‬        ‫وحي ًدا ‪-‬تبعا للفكرة الدينية‪-‬‬
      ‫الآخرين‪ ،‬لا سيما ُمخرجي‬         ‫وليس لديه من وسيلة لتزجية‬               ‫‪ Breaking The Waves‬كسر‬
                        ‫أوروبا‪.‬‬        ‫وقته سوى الإضرار بالبشر‬               ‫الأمواج الذي يحرص من خلاله‬
                                      ‫على الأرض‪ ،‬وإلقائهم في ُعمق‬          ‫على نقد المُؤسسة الدينية الصارمة‬
  ‫إذن‪ ،‬فمن خلال السيناريو الذي‬     ‫المآسي! لذلك س ُنلاحظ مع التقدم‬            ‫الجامدة وما يمكن أن يؤدي به‬
     ‫اشترك المُخرج في كتابته مع‬                                            ‫جمودها إلى تدمير حيوات الجميع‬
                                        ‫في ُمشاهدة الفيلم أن المُخرج‬          ‫باسم الله الرحيم ظاهريا ‪-‬كما‬
‫السيناريست ‪Peter Asmussen‬‬             ‫إنما يسخر من فكرة الخلاص‬
  ‫بيتر أسموسن ُيقدم لنا أنشودة‬      ‫المسيحي في نهاية الأمر باعتباره‬             ‫يدعي رجال الدين‪ -‬القاسي‬
                                    ‫ُمجرد وهم تضيع حيوات البشر‬                ‫والشرير والساخر في حقيقته!‬
    ‫روحانية ُمعادية للدين‪ ،‬وهي‬      ‫بسببه نتيجة إيمانهم به‪ ،‬وكأنما‬
   ‫لفرط روحانيتها تبدو لنا أكثر‬     ‫أسطورة تضحية المسيح بحياته‬                   ‫ترير هنا يقدم لنا‪ ،‬ظاهر ًّيا‪،‬‬
    ‫شفافية وجما ًل من أي تدين‪،‬‬         ‫من أجل خلاص البشر ُمجرد‬                ‫قصة حب شديدة الرومانسية‪،‬‬
   ‫حيث يبدو التدين أمامها ُمجرد‬                                             ‫عميقة في الاستحواذ على مشاعر‬
  ‫شيء شديد الصلافة والجمود‪،‬‬              ‫فكاهة ساخرة لا بد لنا من‬             ‫المُشاهد‪ ،‬فض ًل عن استحواذها‬
                                    ‫التخلص من تأثيرها علينا؛ لأنها‬         ‫على مشاعر الشخصيات الفيلمية‪،‬‬
                      ‫والقسوة!‬                                             ‫لكنه في واقع الأمر يوغل في تأمل‬
  ‫يبدأ ترير فيلمه على لقطة ُمقربة‬      ‫لم تؤد بنا في النهاية إلا نحو‬          ‫المُؤسسات الدينية‪ ،‬والأصولية‬
‫‪ Close Up‬على وجه بيس ‪-‬قامت‬                        ‫المزيد من الشقاء!‬         ‫المسيحية‪ ،‬والجمود الفكري الذي‬
 ‫بدورها المُمثلة الإنجليزية ‪Emily‬‬                                             ‫يتمتع به رجل الدين‪ ،‬حتى أنه‬
   ‫‪ Watson‬إميلي واتسون‪ -‬التي‬           ‫هذه الفكرة الصادمة‪ ،‬للوهلة‬            ‫يسخر من كل شيء‪ ،‬بل وتصل‬
 ‫يقوم رجال الكنيسة باستجوابها‬        ‫الأولى‪ ،‬هي ُلب ما رغب المُخرج‬
   243   244   245   246   247   248   249   250   251   252   253