Page 261 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 261

‫‪259‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫سينما‬

 ‫على تقبيلها‪ ،‬ثم إلقاء الجثمان في‬        ‫يقطع المُخرج للمرة الأخيرة‬        ‫أنه من المُمكن أن يتحسن الآن‪.‬‬
   ‫مياه البحر‪ ،‬وينتهي الفيلم على‬       ‫ليكتب على الشاشة‪Pilogue :‬‬            ‫لذا تطلب من دودو الذهاب إلى‬
  ‫صوت أجراس الكنيسة التي لم‬             ‫‪ The Funeral‬الجنازة‪ ،‬وهو‬            ‫يان وتصلي من أجله‪ ،‬وتسرع‬
                                       ‫الفصل الأخير الذي ُنفاجأ فيه‬
‫يكن لها أجراس فيما قبل‪ ،‬وكأنما‬                                                 ‫بأخذ دراجتها والذهاب إلى‬
  ‫التغيير والإعراض عن التعصب‬              ‫بيان وقد ُشفي ومشي على‬          ‫الشاطئ طالبة من الرجل أخذها‬
  ‫الديني لا يمكن أن يكون إلا من‬        ‫قدميه‪ ،‬وكأنما تضحية زوجته‬
  ‫خلال المرور على أجساد العديد‬                                               ‫مرة أخرى إلى المركب الكبير!‬
  ‫من الضحايا المُمثلة في بيس من‬         ‫بحياتها من أجله كان بالفعل‬           ‫إن ذهاب بيس مرة أخرى إلى‬
                   ‫خلال الفيلم‪.‬‬       ‫هو القربان الحقيقي الذي لا بد‬          ‫المركب الكبير‪ ،‬الذي كادت أن‬
      ‫يأتي فيلم ‪Breaking The‬‬          ‫منه من أجل عودته للحياة مرة‬          ‫ُتقتل فيه‪ ،‬بعد معرفة أن زوجها‬
   ‫‪ Waves‬كسر الأمواج لل ُمخرج‬         ‫أخرى‪ ،‬أي أن المُخرج يرغب في‬        ‫على وشك الموت إنما ُيدلل لنا على‬
     ‫الدانماركي لارس فون ترير‬       ‫إحداث ُمقاربة بين ما حدث لبيس‬          ‫أنها ستضحي بحياتها من أجل‬
   ‫كفيلم يتحدى المُؤسسة الدينية‬     ‫وتضحيتها من أجل الزوج‪ ،‬وبين‬             ‫أن يعيش زوجها‪ ،‬ورغم أن ما‬
   ‫بأفكارها العقيمة الجامدة التي‬     ‫ما حدث ليسوع و ُمعاناته إلى أن‬      ‫تفعله ُمجرد أوهام لا يمكن لها أن‬
  ‫تؤدي إلى عذاب وفقدان حيوات‬          ‫تم صلبه وتضحيته بحياته من‬            ‫ُتعيد زوجها إلى الحياة‪ ،‬إلا أنها‬
       ‫الكثيرين بسبب ُمعتقداتها‬                                             ‫تؤمن بيقين أن ما تقوم به هو‬
       ‫الجامدة‪ ،‬وطريقة تنشئتها‬          ‫أجل أن يكون المُخلص لجميع‬          ‫السبيل الوحيد من أجل إنقاذه‪.‬‬
 ‫الصارمة الخاطئة‪ ،‬كما لا يفوتنا‬                             ‫البشر!‬        ‫من خلال المُونتاج المتوازي يقطع‬
      ‫أنه يرغب في القول‪ :‬إن الله‬                                           ‫لارس فون على يان الذي يدخل‬
                                       ‫ألا نلمح في هذه المُقاربة الكثير‬      ‫إلى العمليات مرة أخرى وهو‬
‫ُمجرد فكرة‪ /‬أو مأزق رومانسي‬             ‫من ال ُسخرية من فكرة الدين‬           ‫بالفعل على وشك الموت‪ ،‬بينما‬
   ‫بالمفهوم الفلسفي‪ ،‬ووقوعنا في‬          ‫والتضحية من أجل خلاص‬               ‫ينتقل إلى بيس التي تصعد إلى‬
     ‫مثل هذا المأزق هو ما يجعله‬        ‫الآخرين؟ إن المُخرج يرغب في‬        ‫المركب الكبير ليتلقفها البحاران‪،‬‬
  ‫يدمر حيوات الجميع من حولنا!‬            ‫القول‪ :‬إن الأديان تؤكد بأن‬        ‫وفي الوقت الذي يخرج فيه يان‬
      ‫ولعل المُخرج كان بار ًعا في‬                                         ‫من غرفة العمليات ينتقل المُخرج‬
                                     ‫سعادة الآخرين لا يمكن أن يتم‬             ‫إلى مشهد إخراج جسد بيس‬
 ‫التعبير عن أفكاره بشكل بصري‬           ‫منحها لهم إلا من خلال عذاب‬        ‫محمو ًل من المركب الكبير ُملطخة‬
‫يخصه وحده من خلال أسلوبيته‬               ‫و ُمعاناة غيرهم‪ ،‬وشعورهم‬         ‫بالدماء! أي أنها قد قدمت نفسها‬
 ‫السينمائية البارعة‪ ،‬لكن الخاتمة‬                                             ‫كقربان‪ ،‬وضحت بحياتها من‬
‫التي أص ّر عليها قد أضعفت كثي ًرا‬   ‫بالألم‪ ،‬بل والتضحية بحياتهم من‬        ‫أجل إنقاذ حياته‪ ،‬تما ًما كما فعل‬
                                     ‫أجل غيرهم‪ ،‬وهي فكرة لا بد لنا‬
   ‫من التأثير الذي كان يرغب في‬                                                                   ‫يسوع!‬
‫إيصاله؛ حيث كان من المُمكن للفيلم‬                ‫من ال ُسخرية منها‪.‬‬           ‫يصل جسد بيس الدامي إلى‬
                                     ‫ُتقرر الكنيسة عدم وجود جنازة‬         ‫المشفى وقد تم تقطيعه تما ًما من‬
  ‫أن ينتهي بعد موت بيس‪ ،‬لينتقل‬                                           ‫قبل البحار السادي‪ ،‬لكنها ترفض‬
   ‫لمشهد وحيد نرى فيه الزوج قد‬         ‫لبيس لأنها كانت خاطئة‪ ،‬لكن‬           ‫الدخول إلى غرفة العمليات من‬
 ‫ُشفي‪ ،‬بينما تدق أجراس الكنيسة‪،‬‬     ‫يان يختطف جثمانها ليخفيه على‬            ‫أجل إنقاذها إلا بعد إلقاء نظرة‬
 ‫لكن الخاتمة التي اختارها المُخرج‬   ‫ظهر إحدى ال ُسفن‪ ،‬ويملأ تابوتها‬          ‫على يان والاطمئنان عليه‪ ،‬إلا‬
‫كانت طويلة و ُمثرثرة‪ ،‬وفيها الكثير‬  ‫بالرمل‪ ،‬حيث يدفنها آباء الكنيسة‬         ‫أن نبضها ينخفض تما ًما أثناء‬
   ‫مما لا يمكن أن يفيد فكرته رغم‬                                            ‫محاولة الإنقاذ إلى أن يتوقف‪،‬‬
‫جودة الفيلم وبراعته فيما رغب أن‬        ‫ُمخبرين إياها بسعادة وبهجة‬
                                      ‫بأنها ستذهب إلى الجحيم‪ ،‬وهو‬                ‫وتموت ُمتأثرة بجراحها!‬
                          ‫يقوله‬       ‫الأمر الذي يجعل دودو تصرخ‬

                                        ‫فيهم غاضبة‪ :‬ولا واحد منكم‬
                                      ‫لديه الحق ليسلم بيس للجحيم!‬
                                    ‫يقوم يان وأصدقاؤه في ُمنتصف‬
                                     ‫الليل بإخراج جثمانها‪ ،‬ويحرص‬
   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266