Page 264 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 264
العـدد 34 262
أكتوبر ٢٠٢1
إلا أن هذا العملاق الفكري كان الهيمنة الإنجليزية ،ورأى لطفي وعند التحاقه بمدرسة الحقوق
مرهف الشعور لدرجة أن الدموع السيد فيه رج ًل مهيب الطلعة ،لا عام ،1889تتلمذ على يد الشيخ
كادت أن تترقرق من عينيه حين محمد عبده ،وأنشأ فيما بعد مجلة
نظير له بين أهل عصره ،وبلغ «التشريع» ،وبدأ بالفعل الكتابة في
بكى طفلاه بالميناء عند علمهما من إعجابه بالأفغاني أن طلب إلى الصحف ،وعمل مترج ًما بجريدة
بأنه سيغيب عنهما لمدة ثلاثين سعد زغلول التوسط لدى الشيخ «المؤيد» ،فاكتسب خبر ًة في كتابة
يو ًما ،بل وحتى أنه تردد لدقائق المقالات الصحفية ،التي وجد فيها،
في فكرة تأجيل الحج وهو الذي ليقبله متتلم ًذا على يديه ،و ُس َّر طوال حياته ،وسيلة ناجعة لنشر
الشيخ بذلك ،فلازم أحمد لطفي أفكاره ،والدفاع عن وجهة نظره
كان يحلم به منذ صباه. أستاذه طوال اقامته بالأستانة.
وحين أراد والده العمدة ،السيد كان الأفغاني يرى في الجامعة في القضايا المختلفة التي تهم
باشا أبو علي ،أن يؤثر ابنه البكر الإسلامية واتحاد المسلمين تحت الوطن.
لواء السلطنة التركية ،خير وسيلة
-كعادة أعيان مصر في ذلك للاستقلال عن السلطة الإنجليزية المرحلة الجامعية
الوقت -بكتابة أربعمائة وخمسين الجاثمة فوق صدر الأمة ،وتبعه والصحافة
في ذلك الكثير من مفكري وقادة
فدا ًنا باسمه ،فما كان من لطفي، قابل أحمد لطفي السيد ،وهو
ذلك المثالي العادل ،إلا أن رفض مصر السياسيين ،من أمثال طالب بالحقوق في العاصمة
بإباء وشمم أن يميزه والده عن الزعيم الوطني مصطفى كامل. العثمانية إسطنبول (صيف
باقي أخوته ،إلى أن امتثل العمدة إلا أن مفكرنا الكبير لم يتفق مع ،)1893سعد زغلول الذي
الأستاذ في ذلك الرأي ،بل رأى كان وقتئذ قاضيًا بالاستئناف،
لرغبة ولده ،داعيًا له بالبركة في السلطة العثمانية ذاتها خط ًرا والشيخ علي يوسف ،وحفني
والرضا. استعمار ًّيا يهدد الأمة المصرية، ناصف ،الذين صاحبوه لزيارة
التي كانت دائ ًما وأب ًدا هدفه الأول السيد جمال الدين الأفغاني،
بين الفلسفة والسياسة المصلح الديني والفيلسوف
والأخلاق والأخير. والسياسي المنادي بالاستقلال من
لم يكن لطفي السيد يخشى لومة
كان الفيلسوف الأول سقراط
ضحية لفلسفته ،وكان تلميذه لائم في التعبير عن آرائه بكل
أفلاطون ،مؤلف «الجمهورية» صراحة .وتتجلى شجاعة لطفي
الأشهر ،سياسيًّا فاش ًل .إلا أن السيد الأدبية واعتزازه بفكره
فيلسوف لطفي المفضل كان طالما كان متيقنًا من مطابقة
أرسطو ،الذي نجح في الجمع ما أفكاره للمنطق والأخلاق ،وهي
بين الأخلاق والسياسة. خصلة أصيلة امتاز بها في
رفض لطفي السيد خلال مواقفه ،من ذلك أنه حين اختلف
مشواره السياسي تلك الفلسفة
التي كانت لا ترى في السياسة في الرأي مع السلطان حسين
إلا سبي ًل للوصول إلى السلطة كامل ،رأى في مجادلته بغير
والمحافظة عليها ،بل ما كان يرى حق أن صاح قائ ًل« :اتعبتني
في تلك النظرة الميكيافيللية سوى يا مولاي ،فإني أنا الذي أعرف
انتهازية وبراجماتية لم يكن حقيقة هذه القضية دونك»
ليرتضيها ،وسببًا مباش ًرا للحروب (ص .)69وما كان ليجرؤ على
والاستغلال ،ومنافسة غير شريفة مثل تلك المقولة لملك أو سلطان
بين الطامعين في الوصول إلى سدة سوى مفكر في قدر أحمد لطفي
الحكم. السيد وقامته.