Page 220 - merit 52
P. 220

‫العـدد ‪52‬‬                                ‫‪218‬‬

                                ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬                             ‫الماضي ورفضت الواقع‬
                                                                  ‫السياسي والأيديولوجي‪ ،‬لقد‬
     ‫إلى تشخيص أثر الزمن‬          ‫بدأت أمه تصفعه وتؤنبه‬            ‫كان تشارلز في أثناء الحرب‬
‫الحربي في زمن الإنسان‪ ،‬بما‬         ‫بشدة‪ ،‬كانت تصرخ فيه‬            ‫طف ًل‪ ،‬وعليه راهن في سيرته‬
                                  ‫أنها ستقتله إذا خرج مرة‬
  ‫هو ذات وكينونة ومنظومة‬           ‫أخرى‪ .‬كنت مرعو ًبا من‬            ‫على تشخيص مذاق الحرب‬
      ‫قيم أخلاقية وإنسانية‪.‬‬        ‫صفعاتها أكثر من رعبي‬            ‫والطفولة؛ أو حينما تستوي‬
     ‫إنه يركز على تشخيص‬
    ‫الأثر «الفجائعي» لزمنية‬                 ‫من القنابل»(‪.)8‬‬           ‫الصفعة وال ُقنبلة‪ ،‬صفع ُة‬
                                ‫هكذا رو ُح طفل خفيفة أرا َدت‬         ‫الأم كطفل‪ ،‬وقنبلة الحرب‬
    ‫الحرب وليس على حدثها‬                                            ‫كطفل‪« .‬في ‪ 6‬أبريل ‪،1941‬‬
     ‫«الوقائعي»»(‪« )10‬أتذكر‬           ‫أن تعيش لع َب الطفولة‬         ‫كان عمري ثلاث سنوات‪،‬‬
   ‫أنني رجعت من المدرسة‬           ‫وألوانها وصخبها‪ ،‬فإذا بها‬
  ‫إلى البيت في ظهيرة‪ ،‬قلت‬       ‫تعيش إلى جانب اللعب قنابل‬                ‫في الخامسة صبا ًحا‬
  ‫لها إنني جائع‪ ،‬فانفجرت‬                                           ‫ضربت قنبلة المبنى المقابل‬
  ‫في البكاء‪ .‬الشيء الوحيد‬           ‫الصراع وقصص الحرب‬
 ‫الذي وجدته هناك في ذلك‬             ‫بين دول التحالف ودول‬              ‫من الشارع مما أدى إلى‬
   ‫اليوم‪ ،‬كان البصل الذي‬          ‫المحور‪ ،‬لذلك ظلت طفولته‪،‬‬         ‫اشتعال النار فيه‪ .‬بلجراد‬
    ‫قطعته شرائح‪ .‬لم يكن‬             ‫وطفولة اليوغوسلافيين‪،‬‬         ‫التي ولدت فيها‪ ،‬لديها تميز‬
    ‫هناك زيت‪ ،‬فقط بعض‬                                             ‫مريب‪ ،‬فقد قصفها النازيون‬
  ‫قطع الخبز الجافة وملح‪.‬‬               ‫ومسرح بلجراد أقوى‬           ‫في عام ‪ ،1941‬والحلفاء في‬
   ‫فكرت ساعتها أن مذاقها‬        ‫اللحظات التي عاشها سيميك‬           ‫عام ‪ ،1944‬والناتو في عام‬

             ‫لذيذ ج ًّدا»(‪.)11‬‬       ‫في عتمة ال ُّسلطة وبط ِش‬                      ‫‪.)6(»1999‬‬
 ‫تسري ُد حالة التجويع وواقع‬       ‫الحكم وزمنية العمى‪« .‬هل‬          ‫إن تجربة الحرب وهولها في‬

     ‫الحال الم ِّر هو ما حاول‬        ‫كان العالم ح ًّقا رماد ًّيا‬     ‫جوارح سيميك وكذلك في‬
‫سيميك تمثيله بقوة‪ ،‬كمعطى‬         ‫وقتها؟ في ذكرياتي المبكرة‬        ‫عقله‪ُ ،‬تصورها سيرته الذاتية‬
                                 ‫كان العالم دائ ًما في أواخر‬
   ‫حاضر في جزء من سيرة‬          ‫الخريف‪ .‬الجنود رماديون‪،‬‬              ‫بالطابع التشاؤمي والمزاج‬
‫طفولته‪ ،‬وخاصة قبل النزوح‬          ‫وهكذا كان الناس‪ .‬الألمان‬        ‫السوداوي البشع الذي خلفته‬
                                ‫يقفون في الزاوية‪ ،‬نحن نمر‬
    ‫من بلغراد وعيش تجربة‬          ‫بجانبهم‪ ،‬تهمس أمي‪« :‬لا‬            ‫في عالمه النفسي؛ «طفولتي‬
  ‫الشتات في فرنسا‪ ،‬وانتها ًء‬     ‫تنظر إليهم»‪ ،‬نظرت إليهم‬           ‫فيلم بالأبيض والأسود»(‪)7‬‬
‫بمطاردات الأحلام في أمريكا‪،‬‬      ‫على أي حال‪ ،‬وواحد منهم‬
  ‫وفي أكثر من تدفق حكائي‬                                             ‫وعليه نجد ُه يتناول بشكل‬
  ‫و َصوغ ذاتي‪ ،‬أبرز سيميك‬         ‫ابتسم‪ .‬لسبب ما أخافني‬               ‫دقيق وبشعرية تفاصيل‬
                                                   ‫ذلك»(‪.)9‬‬            ‫أزمات الحياة وذكريات‬
      ‫ثلاثية الحرب والجوع‬                                              ‫الطفولة وقصة النزوح‪،‬‬
  ‫والفراغ كمعال َم أولى طبعت‬      ‫إن فاجعة الحرب في سيرة‬                 ‫وفراغ ال ُّسلطة وحا َّفة‬
  ‫حياته‪ ،‬قبل أن تشق به تلك‬       ‫سيميك لم تكن نفسها أعظم‬
                                                                     ‫الهاوية‪ .‬إن السيرة الذاتية‬
    ‫الحياة درو ًبا وانعطافا ٍت‬     ‫شيء حصل‪ ،‬بل أثرها في‬            ‫لسيميك وبخاصة في مرحلة‬
 ‫أخرى فيها الأجمل والأقبح‪،‬‬         ‫الزمن النفسي ووقعها في‬
                                                                     ‫طفولته هي ندا ٌء للفراغ في‬
    ‫ضمن سيرة تعص ُف بها‬               ‫عالمه الاجتماعي‪ ،‬إن ما‬           ‫قع ِر ال َّدمار؛ سيرة ُقنبلة‬
  ‫التقلبات من كل جانب‪ ،‬ولم‬       ‫يميز التمثيل السردي لتيمة‬
‫يكن أصعب من شيء في ذلك‬          ‫الحرب في هذه السيرة الذاتية‬       ‫و َلعب؛ «ول ٌد يكبرني بقليل‪.‬‬
                                   ‫أنه «لا يقتصر على وصف‬            ‫اتضح أنه تسلل للخارج‬
   ‫الشق الباهت من الطفولة‬                                               ‫ليشاهد القنابل وهي‬
     ‫إلا حكاي ُة الجوع والقهر‬       ‫كرونولوجية الحرب‪ ،‬بل‬
                                 ‫يتجاوز هذا المستوى الخطي‬         ‫تسقط‪ ،‬عندما أعاده الرجال‬
   215   216   217   218   219   220   221   222   223   224   225