Page 223 - merit 52
P. 223

‫الملف الثقـافي ‪2 2 1‬‬

                  ‫التلاشي‪.‬‬          ‫من أنه مع الفقر والحاجة‬     ‫بلجراد؛ «لقد كانت السجون‬
                                  ‫والحرب‪ُ ،‬تصبح الهجرة هي‬        ‫في ذلك الوقت مملوءة بمن‬
  ‫راب ًعا‪ :‬سيرة قلب‬              ‫الحل الأنجع‪ ،‬والنزوح خارج‬
‫َشاعر وعقل َفيلسوف‬                                                  ‫عندهم قصص سياسية‬
                                    ‫خارطة الموطن هو الأمثل؛‬           ‫أكثر خطورة‪ ،‬لم نكن‬
        ‫حياة سيميك لم تكن‬         ‫«الهجرة‪ ،‬المنفى‪ ،‬أن تكون‬
 ‫شذرات من الحرب والجوع‬                                             ‫مهمين‪ .‬صفعوا أمي على‬
  ‫والاغتراب فقط‪ ،‬بل تعددت‬             ‫بلا جذور وأن تصبح‬         ‫وجهها عدة مرات منها مرة‬
                                   ‫منبو ًذا (‪ )..‬أصبحنا لغ ًزا‬
      ‫وجوهها‪ ،‬في «ذبابة في‬          ‫حتى لأنفسنا‪ .‬في البداية‬         ‫أمامنا‪ ،‬وكان ذلك كل ما‬
        ‫الحساء» تبر ُز سيرة‬                                      ‫حدث»(‪ .)20‬وس ُتعاد الك َّرة في‬
                                      ‫كان ذلك صع ًبا علينا‪،‬‬
    ‫شخصية غارقة في الفن‪،‬‬           ‫ولكن بمرور الوقت بدأنا‬          ‫وقت لاحق بعد استصدار‬
  ‫في الموسيقى‪ ،‬في العزف‪ ،‬في‬      ‫نعتاد على وضعنا الجديد‪.‬‬         ‫جواز السفر ُمكللة هذه المرة‬
   ‫الفيلم‪ ،‬في الشعر‪ ..‬سيميك‬       ‫بدأنا نستطعمه ونستمتع‬         ‫بالنجاح ولكنها مليئة بأحداث‬
  ‫الشاعر الذي بدأ يظهر من ُذ‬
                                                    ‫به»(‪.)21‬‬       ‫الاغتراب وبالارتكاسة في‬
     ‫مغادرته لملامح الطفولة‬       ‫خلال هذه المرحلة الانتقالية‬           ‫فرنسا لمدة أطول(*)‪.‬‬
    ‫الأولى‪ ،‬ومن ُذ بزوغ بنيته‬      ‫التي كانت جز ًءا راس ًخا في‬
‫وحشرجة صوته‪ ،‬بدأ الكاتب‬             ‫مخيال تشارلز والتي كان‬       ‫هاجر سيميك إلى باريس في‬
‫يكتش ُف نفسه شخ ًصا رهيف‬           ‫ُعنوانها المعاناة في باريس‪،‬‬  ‫سنة ‪ 1953‬في سن الخامسة‬
     ‫الإحساس‪ ،‬عال َي الذوق‪،‬‬      ‫أسه َب الكاتب في َسرد الكثير‬
      ‫ُيحاول الكتابة ويفشل‪،‬‬      ‫من التفاصيل بال ُعمق والبوح‬           ‫عشر رفقة الأم والأخ‬
‫ويحب الفن‪ ،‬ويتذوق الشعر؛‬                                            ‫الأصغر‪ ،‬وهناك سيعيش‬
                                    ‫والكشف‪ ،‬إذ تركت ال ُغربة‬    ‫وعائلته قصة الشتات‪ ،‬يحكي‬
      ‫«لا أبالغ كثي ًرا عندما‬      ‫في أفئدتهم نشا ًزا وتلاعبت‬
    ‫أقول إنني لم أكن أذهب‬                                             ‫سيميك فشله الدراسي‬
   ‫إلى الحمام من غير كتاب‬              ‫سير ُة الاغتراب والنبذ‬     ‫والاندماجي في الوقت الذي‬
   ‫في يدي‪ .‬أقرأ حتى أسقط‬           ‫بأرواحهم‪ ،‬ولكنها مع ذلك‬
 ‫في النوم وأستأنف القراءة‬        ‫كانت بذو ِق الجمال الفرنسي‬        ‫عاشه رفقة الأم والأخ في‬
‫بمجرد أن أصحو‪ )..( .‬أقرأ‬             ‫وبحجم باريس‪ ،‬المحضن‬         ‫باريس‪ ،‬حيث كان يشعر أنه‬
  ‫كل شيء من أفلاطون إلى‬                                           ‫أجنبي ُمريب‪ ،‬أو يكون هذا‬
                                      ‫الحميم لكل التناقضات؛‬
       ‫ميكي سبيللين»(‪.)23‬‬             ‫«نامت أمي وأخي على‬           ‫ما أشعر ُه به الفرنسيون‪،‬‬
      ‫الجانب الثقافي‪ ،‬وتنمية‬     ‫السرير‪ ،‬بينما نمت أنا على‬          ‫ولكن كان سيميك ُمتيقنًا‬
    ‫الذات‪ ،‬والاهتمام بالفنون‬          ‫الأرض‪ .‬بقينا على هذه‬
    ‫هو سيميك الحقيقي بعد‬           ‫الحال لمدة عام كامل‪ ،‬كنا‬
‫ويلات الحرب‪ ،‬وبعد النزوح‪،‬‬           ‫فراء‪ ،‬هذا ما أدركته»(‪.)22‬‬
 ‫وبالرغم من فشله الدراسي‬          ‫في هذه المرحلة ُيكثر سيميك‬
     ‫على أعقاب عوائق لغوية‬         ‫من الاسترجاعات ‪Flash-‬‬
‫و ُمشكلات في الاندماج سواء‬       ‫‪ back‬ذلك أن الوجود الراهن‬
  ‫في فرنسا أو في أمريكا‪ ،‬إلا‬      ‫له كمهاجر في قلب الاغتراب‬
    ‫أنه من المفيد التأكيد على‬     ‫يحت ُم عليه السفر عبر الزمن‬
    ‫ال َّشمعة الثقافية المتوهجة‬     ‫للإتيان بذاكرته الماضوية‬
                                  ‫في بلجراد‪ ،‬حيث ُتسعفه على‬
                                    ‫ُمواجهة وحدته وتعويض‬
   218   219   220   221   222   223   224   225   226   227   228