Page 222 - merit 52
P. 222

‫العـدد ‪52‬‬                             ‫‪220‬‬

                                   ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬                                  ‫في الماضي»(‪.)17‬‬
                                                                     ‫غير أنه َملحوظ في سيرته‬
‫رتبه قادة العالم في وقتها‪.‬‬            ‫العمل بها في يوغوسلافيا‪،‬‬
   ‫كالكثير من النازحين لم‬           ‫والمقر الرئيس للشركة الذي‬          ‫تلك العلاقة الحميمة في‬
                                                                    ‫التذكر بالأماكن والتواريخ‪،‬‬
‫يكن طموحنا يتعدى حدود‬                  ‫كان في شيكاغو‪ ،‬سيق ِّر ُر‬
   ‫مدينتنا بلجراد‪ .‬كنا على‬           ‫السفر عبر إيطاليا راغبًا في‬      ‫الأماكن والمسافات بينها‪،‬‬
  ‫ما يرام مع ذلك‪ .‬اتفاقيات‬            ‫الوصول إلى أمريكا‪ ،‬وهو‬        ‫والتواريخ بالضبط وال ِّدقة‪،‬‬
                                                                  ‫يقول بول ريكور بهذا الصدد‬
‫عقدت حول مجالات النفوذ‪،‬‬                 ‫ما تحقق له‪ ،‬واستحالت‬        ‫ُمعلِّ ًل علاقة الذاكرة بالمكان‬
  ‫حدود أعيد ترسيمها‪ ،‬وما‬             ‫عودته في الوقت الذي بقي‬      ‫«إن الصلة بين الذكرى وبين‬
   ‫يسمى بالستار الحديدي‬            ‫فيه تشارلز سيميك في منزل‬          ‫المكان تطرح قضية صعبة‬
 ‫تم إسداله‪ ،‬ونحن ر َّحلونا‬         ‫ج ِّده رفقة أخيه وأمه‪ ،‬يفكران‬     ‫تأخذ كل قوتها من تخوم‬
                                     ‫في اللحاق بالوالد‪ ،‬لا سيما‬     ‫الذاكرة‪ ،‬والتاريخ الذي هو‬
‫مع أغراضنا القليلة‪ .‬ما زال‬           ‫بعد التغيرات التي أحدثتها‬
  ‫المؤرخون يوثقون جميع‬             ‫الحرب في الخارطة الجغرافية‬              ‫أي ًضا جغرافيا»(‪.)18‬‬
    ‫الخيانات والرعب الذي‬           ‫ليوغوسلافيا؛ «أسرتي‪ ،‬مثل‬          ‫يرح ُل سيميك إلى ذكرياته‬
   ‫واجهناه كنتيجة لمؤتمر‬            ‫أسر أخرى عديدة‪ ،‬تمكنت‬           ‫الماضوية أي ًضا عبر اعتماد‬
  ‫يالطا وغيره‪ ،‬والموضوع‬              ‫من أن ترى العالم مجا ًنا‪،‬‬
    ‫أكبر من أن ينتهي»(‪.)19‬‬                                              ‫تقنيات في الكتابة ُتعيد‬
    ‫في المحاولة الأولى للحاق‬           ‫والفضل يعود لحروب‬             ‫صورة الماضي‪ ،‬كالرسائل‬
     ‫بالأب الذي تحرر بعدما‬         ‫هتلر وسيطرة ستالين على‬           ‫باعتبارها استراتيجية فنية‬
   ‫اعتقله الألمان‪ ،‬و َعلق أخي ًرا‬                                 ‫كانت تجمع سيميك بغيره(*)‬
      ‫في نشاطاته في أمريكا‪،‬‬            ‫أوربا الشرقية‪ .‬نحن لم‬
    ‫باءت رحل ُة عبور الحدود‬         ‫نكن متعاونين مع الألمان‪،‬‬            ‫في أكثر لحظات حياته‪،‬‬
  ‫الأولى للأم وسيميك والأخ‬                                           ‫خا َّصة بأهل الأدب والفن‬
                                       ‫ولا كنا من المنتمين إلى‬        ‫والشعراء‪ ،‬وهذا ما سيتم‬
 ‫بالفشل‪ ،‬رحل ٌة مؤلم ٌة وخانق ٌة‬        ‫الطبقة الأرستقراطية‪،‬‬        ‫توضيحه في َعناصر ُموالية‬
 ‫من بلجراد عبر يوغوسلاف‬                 ‫كما لم نكن بأي معنى‬            ‫من هذه الورقة البحثية‪.‬‬
 ‫إلى أمريكا لم ُتكلل بالنجاح‪،‬‬         ‫من المنفيين السياسيين‪،‬‬
                                   ‫عديمي الأهمية كنا‪ ،‬لم نقرر‬         ‫ثال ًثا‪ :‬ال َّشتات‪،‬‬
     ‫فشلوا وتم إرجاعهم إلى‬            ‫شي ًئا لأنفسنا‪ .‬كل شيء‬       ‫سير ُة الهجرة والنبذ‬

                                                                        ‫والاغتراب‬

                                                                        ‫يصو ُغ سيميك سيرته‬
                                                                      ‫في قالب آخر غير الحرب‬
                                                                      ‫والجوع والفراغ‪ ،‬فبعدما‬
                                                                      ‫خا َض مرحلة عسيرة في‬
                                                                     ‫طفولته الأولى يشكو غبا َء‬
                                                                     ‫العالم الذي أرهق ُه بالجوع‬
                                                                  ‫وسبَّب له الانتكاسة ولعائلته‬
                                                                   ‫أي ًضا‪ ،‬مع هذا كله فإن الأب‬
                                                                     ‫جورج سيميك الموظف في‬
                                                                     ‫شركة الاتصالات التي بدأ‬
   217   218   219   220   221   222   223   224   225   226   227