Page 201 - m
P. 201

‫‪199‬‬            ‫الملف الثقـافي‬

‫سهير القلماوي‬  ‫سعد زغلول‬       ‫سميرة موسى‬                     ‫حسين يمتاز عن غيره من‬
                                                             ‫المفكرين في كونه ذا بصيرة‬
  ‫المتنور المتحضر المبدع‪ ،‬لكن‬     ‫عن الديمقراطية والحرية‬
 ‫في الوقت نفسه لم يقبل بفك‬     ‫الإنسانية»‪ ،‬ومن ثم ظل طه‬          ‫حاضرة لا تنتهي‪ ،‬فهي‬
                               ‫حسين يدافع عن قيم العدل‬      ‫تمتاز بانفتاحها على الحاضر‬
   ‫الرابطة مع العالم العربي‪،‬‬
      ‫فهو رئيس مجمع اللغة‬        ‫والحرية‪ ،‬وإتاحة الفرصة‬         ‫واستشرافها للمستقبل‪،‬‬
                                   ‫للتعرف على كل المذاهب‬    ‫وللمطلع على كتابه «مستقبل‬
‫العربية‪ ،‬وهو أي ًضا الذي دافع‬                                 ‫الثقافة في مصر» أو موقفه‬
‫عن الهوية المصرية والعروبة‬     ‫والأفكار والمدارس المختلفة‪،‬‬
                                  ‫أي الانفتاح والتفاعل مع‬        ‫من الإسلام السياسي‪،‬‬
  ‫والقيم الإسلامية‪ ،‬فقد كتب‬       ‫جميع الثقافات والأفكار‬     ‫يدرك جي ًدا مدى استشرافه‬
     ‫«مرآة الإسلام»‪« ،‬الوعد‬                     ‫المختلفة‪.‬‬
                                                                 ‫للمستقبل‪ ،‬كما أنتج من‬
‫الحق»‪« ،‬على هامش السيرة»‪،‬‬      ‫ثم يؤكد بعد ذلك على بعدين‬      ‫الأفكار والآراء والأساليب‬
‫وغيرها من كتب الإسلاميات‪.‬‬        ‫أساسيين في نهضة مصر‬
‫ومن ثم تمكن طه حسين من‬             ‫الحديثة‪ ،‬أولهما‪« :‬البعد‬        ‫والطرائق والتصورات‬
 ‫إحياء مشروع ثقافي تنويري‬                                    ‫والإجراءات حول التحديات‬
                               ‫الفرعوني»‪ ،‬وثانيهما‪« :‬البعد‬   ‫التي تواجه المجتمع ووضع‬
      ‫خاض من أجله معارك‬          ‫المتوسطي»‪ ،‬فمصر ‪-‬كما‬
‫ضارية عبر عدة أبواب أولها‪:‬‬        ‫يرى‪ -‬تشرف على البحر‬          ‫الحلول المناسبة لها‪ ،‬ومن‬
                                ‫الأبيض‪ ،‬وتربطها بأوروبا‬       ‫هنا استطاع طه حسين أن‬
     ‫فصل التعليم عن سلطة‬
  ‫رجال الدين‪ ،‬وثانيها‪ :‬فصل‬     ‫وشائج من القرابة التجارية‬        ‫يؤسس لمشروع تنويري‬
                                    ‫والفكرية والجغرافية‪..‬‬      ‫قومي «مصري‪ -‬عربي»‪.‬‬
    ‫الدين عن الدولة‪ ،‬وثالثها‪:‬‬
 ‫اعتماد مبدأ الشك الديكارتي‬     ‫وقد تجسد هذا التقارب في‬          ‫هذا المشروع يقوم على‬
‫في النظر إلى الأشياء والوقائع‬  ‫عصر البطالسة‪ ،‬حين كانت‬           ‫مبدأين رئيسيين أولهما‪:‬‬
                                                                 ‫«تنويري‪ ،‬فكري‪ ،‬ثقافي‪،‬‬
     ‫والمقولات كافة؛ من أجل‬        ‫الإسكندرية قطب العالم‬    ‫عربي» يعتمد على التفاعل مع‬
   ‫تحقيق الاستنارة المصرية‬                                   ‫الثقافة الأوروبية‪ ،‬فقد أباح‬
                                                             ‫الأخذ من الثقافة الأوروبية‬
                                                              ‫من موقع الثقة بالنفس‪ ،‬لا‬
                                                               ‫من موقع رد الفعل؛ حيث‬
                                                                 ‫لا تكتمل رسالة التنوير‬
                                                                ‫إلا بمد جسور مع الفكر‬
                                                            ‫العالمي في صيغتيه التاريخية‬
                                                            ‫والحديثة‪ ،‬عبر تعريب روائع‬
                                                            ‫الفكر الإنساني‪ ،‬فلا مستقبل‬
                                                                 ‫لأمة تغمض عينيها عن‬
                                                              ‫ثمرات الفكر والأدب‪« ،‬فهو‬
                                                              ‫يرى ضرورة أن نأخذ من‬
                                                                ‫الحضارة الغربية خيرها‬
                                                               ‫وشرها حلوها ومرها‪ ،‬ما‬
                                                                ‫ُي َح ُّب منها وما ُيكره وما‬
                                                               ‫ُيحمد منها وما ُيعاب»(‪.)5‬‬
                                                            ‫أما المبدأ الثاني فهو «البحث‬
   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206