Page 202 - m
P. 202

‫العـدد ‪59‬‬                                     ‫‪200‬‬

                               ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬                                 ‫التي جعلت منه رم ًزا من‬
                                                                        ‫رموز الثقافة العربية ورائ ًدا‬
    ‫مصر حرة حرية حقيقية‬        ‫الثقافة برباط وثيق‪ ،‬فرأى أن‬    ‫طه حسين‬
 ‫إلا بإزالة غشاوة الجهل عن‬     ‫آفة الثقافة هي فساد التعليم‬    ‫وزوجته‬                    ‫للتنوير(‪.)6‬‬
  ‫أعين المصريين‪ ،‬ولذلك فلا‬     ‫في المقام الأول‪ .‬ومن ثم كان‬                ‫ورغم ما قدمه طه حسين‬
 ‫مندوحة للدولة من أن تقوم‬       ‫يرى أن العلم كالماء والهواء‪،‬‬             ‫لمشروع التنوير العربي‪ ،‬إلا‬
‫بكل شؤون التعليم ولا تتركه‬                                               ‫أن هناك ثمة اتها ًما بتحول‬
                                  ‫يجب أن يكون متا ًحا لكل‬
   ‫لعبث العابثين‪ ،‬فتقوم هي‬       ‫أفراد الشعب‪ ،‬ولا يمكن أن‬                    ‫موقفه الفكري من نقد‬
‫بوضع المناهج والبرامج وأن‬       ‫تقوم ديمقراطية حقيقية من‬                  ‫الثوابت الدينية باستخدام‬
                               ‫دون أن يتعلم الشعب؛ ولذلك‬                 ‫منهج الشك الديكارتي‪ ،‬كما‬
   ‫تقوم على تنفيذها حتى لا‬        ‫يجب أن يتعلم الشعب إلى‬                   ‫فعل في كتابة (في الشعر‬
   ‫ينحرف التعليم عن طريقه‬         ‫أقصى حدود التعلم‪ ،‬ففي‬                   ‫الجاهلي) إلي المصالحة مع‬
   ‫المرسوم والمنشود‪ ،‬وحتى‬         ‫ذلك وحده الوسيلة الأولى‬              ‫المؤسسة الدينية واتجاهه إلى‬
   ‫لا ينتهي إلى غرض ُمباين‬     ‫إلى أن يعرف الشعب مواضع‬                   ‫الكتابة في الإسلاميات‪ ،‬بيد‬
                                                                          ‫أن الأمر لم يكن كذلك‪ ،‬بل‬
     ‫للغرض الذي أُنشئ من‬            ‫الظلم‪ ،‬وإلى أن يحاسب‬                 ‫كان الهدف من هذا التحول‬
                    ‫أجله(‪.)8‬‬   ‫الشعب هؤلاء الذين يظلمونه‬                 ‫هو اجتذاب قطاعات جديدة‬
                               ‫و ُي ِذلونه ويستأثرون بثمرات‬              ‫من الجماهير تجاه الخطاب‬
 ‫ولذلك عندما تولى مسؤولية‬                                                 ‫التنويري الليبرالي‪ ،‬بتعويد‬
  ‫التعليم في مصر وتم إسناد‬                          ‫عمله‪.‬‬
   ‫حقيبة وزارة المعارف إليه‬    ‫ولطالما أكد طه حسين على أن‬                    ‫الجماهير على استقبال‬
 ‫‪-‬قبيل ثورة يوليو بعامين‪-‬‬      ‫التعليم هو السبيل الأساسي‬                   ‫الفكر التراثي من الكتاب‬
  ‫نجح إلى حد بعيد في تطبيق‬
‫مجانية التعليم قبل الجامعي‪.‬‬           ‫لكي يكون المصريون‬                      ‫التنويريين‪ ،‬بعدما كان‬
   ‫فهو يدرك جي ًدا أن التعليم‬   ‫أحرا ًرا؛ لأن الذي يعرف هو‬                ‫مقصو ًرا على رجال الدين‪،‬‬
‫هو الطريق الأول والأهم على‬       ‫الحر‪ ،‬ولا سبيل لأن تكون‬               ‫خصو ًصا مع تأثر طه حسين‬
                                                                          ‫وغيره من مفكري التنوير‬
                                                                          ‫بحركة نقد الكتاب المقدس‬
                                                                        ‫في أوروبا‪ ،‬ومن ثم فإن هذا‬
                                                                        ‫التحول لم يكن يعنى تراجع‬

                                                                            ‫طه حسين عن توجهاته‬
                                                                        ‫الليبرالية التنويرية بل يعنى‬

                                                                                        ‫تأكيدها(‪.)7‬‬

                                                                         ‫أهمية التعليم في‬
                                                                        ‫مشروع طه حسين‬

                                                                             ‫التنويري‬

                                                                            ‫أولى طه حسين التعليم‬
                                                                       ‫اهتما ًما بال ًغا وجعله الوسيلة‬

                                                                              ‫المثلى لتحقيق النهضة‬
                                                                       ‫المنشودة‪ ،‬بل ربط بينه وبين‬
   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206   207