Page 207 - m
P. 207

‫‪205‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫باسم الدين‪ ،‬ويطاردوا بعنف‬             ‫المؤسسات السياسية‪ ،‬وليس‬             ‫المعارف الفرنسية‪ ،‬وعندما‬
 ‫حرية الرأي والمعتقد والفكر‪،‬‬           ‫فصل الدين عن المجتمع كما‬            ‫أصبح عمي ًدا لكلية الآداب‬
                                                                            ‫نادى بإدخال الفتيات إلى‬
   ‫فيقول‪« :‬يقول الشيوخ إن‬                ‫يروج دعاة الدولة الدينية‪،‬‬          ‫الجامعة‪ ،‬وقد برزت بعد‬
 ‫الدستور قد نص أن الإسلام‬                  ‫وإن المحك الحقيقي لهذا‬          ‫ذلك أسماء في حقل الأدب‬
                                          ‫الفصل هو إعداد دستور‬               ‫والصحافة والعلم أمثال‬
  ‫دين الدولة‪ ،‬ومعنى ذلك أن‬                                              ‫سهير القلماوي ودرية شفيق‬
 ‫الدولة مكلفة بحكم الدستور‬               ‫يجعل الولاء للوطن ساب ًقا‬         ‫وسميرة موسى وغيرهن‪،‬‬
                                            ‫على أي ولاء عقيدي أو‬           ‫وما ذهب إليه كان اتجا ًها‬
   ‫بحماية الإسلام من كل ما‬
    ‫يمسه أو يعرضه للخطر‪،‬‬              ‫مذهبي أو فلسفي‪ ،‬وتتأسس‬                     ‫إصلاحيًّا اجتماعيًّا‪.‬‬
 ‫ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة‬                ‫فلسفة هذه الدساتير على‬         ‫كما أن النقد الذي وجهه طه‬
‫أن تضرب على أيدى الملحدين‪،‬‬                ‫أن الدولة ‪-‬وفق تعريفها‬        ‫حسين لدستور سنة ‪،1923‬‬
 ‫ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة‬                                              ‫بخصوص (المادة‪« )149 :‬إن‬
  ‫أن تمحو حرية الرأي مح ًوا‬           ‫القانوني‪ -‬شخصية اعتبارية‪.‬‬
 ‫في كل ما من شأنه أن يمس‬                   ‫ثالثاً‪ :‬الإصلاح الديني‬           ‫الإسلام دين الدولة» هو‬
  ‫الإسلام من قريب أو بعيد‪،‬‬                                                ‫جزء من مشروع الإصلاح‬
 ‫ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة‬            ‫وضرورة الفصل بين الدين‬              ‫الاجتماعي‪ ،‬حيث إن وجود‬
 ‫بحكم الدستور أن تسمع ما‬                              ‫والسياسة‬
 ‫يقوله الشيوخ في هذا الباب‪،‬‬                                                  ‫هذا النص معناه أن ثمة‬
   ‫فإذا أعلن أح ٌد رأ ًيا أو ألَّ َف‬     ‫تبدو قضية تسييس الدين‬            ‫تفرقة بين المصريين‪ ،‬وأنه‬
 ‫كتا ًبا أو نشر فص ًل أو اتخذ‬             ‫وتديين السياسة حاضر ًة‬          ‫سبب لوجود قوة سياسية‬
‫ِز ًّيا‪ ،‬ورأى الشيوخ في هذا كله‬          ‫في فكر طه حسين إذ يقول‬         ‫دينية منظمة أو شبه منظمة‪،‬‬
‫مخالفة للدين ونبهوا الحكومة‬           ‫منتق ًدا موقف الإسلاميين من‬         ‫تؤيد الرجعية وتجر مصر‬
 ‫إلى ذلك‪ ،‬فعلى الحكومة بحكم‬              ‫دستور ‪ ،1923‬بخصوص‬                ‫ج ًّرا إلى الوراء‪ ،‬إذ لا يمكن‬
                                          ‫(المادة‪ )149 :‬إن الإسلام‬        ‫الخروج من ثقافة العصور‬
      ‫الدستور أن تسمع لهم‬              ‫دين الدولة‪ ،‬حيث إن الشيوخ‬            ‫الوسطى إلا بعد تأسيس‬
    ‫وتعاقب من يخالف الدين‬              ‫فهموا هذا النص فه ًما آخ َر‪..‬‬      ‫دعائم الدولة المدنية‪ ،‬وأول‬
  ‫بالطرد ثم القضاء ثم إعدام‬           ‫واتخذوه تكئة وتعلَّة يعتمدون‬        ‫هذه الدعائم ضرورة فصل‬
                                       ‫عليها في تحقيق ضروب من‬
            ‫جسم الجريمة»‪.‬‬              ‫المطامع والأغراض السياسية‬              ‫المؤسسات الدينية عن‬
  ‫فكان ضد استخدام الدين‬                  ‫وغير السياسية‪ ،‬فهموا أن‬
 ‫وتوظيفه سياسيًّا‪ ،‬وبالتالي‬             ‫الإسلام دين الدولة‪ ،‬أي أن‬
 ‫فقد كان ضد تأليف أحزاب‬                  ‫الدولة يجب أن تكون دولة‬
   ‫على أساس ديني؛ لأن أي‬               ‫إسلامية بالمعنى القديم ح ًّقا‪..‬‬
    ‫حزب يتكون على أساس‬                     ‫وكذلك كتبوا يطلبون ألا‬
 ‫ديني إنما هو حزب رجعي‪،‬‬               ‫يصدر الدستو ُر لأن المسلمين‬
                                        ‫ليسوا في حاجة إلى دستور‬
    ‫يناهض الحرية والرقي‪،‬‬                  ‫وضعي ومعهم كتاب الله‬
       ‫ويتخذ الدين ورجال‬
                                                    ‫وسنة رسوله‪.‬‬
  ‫الدين تكئة يعتمد عليها في‬           ‫ثم يشرح طه حسين استغلال‬
‫الوصول إلى الحكم واحتكار‬
                                         ‫الإسلاميين وشيوخ الدين‬
      ‫العمل السياسي باسم‬                    ‫المتشددين ذلك الشعار‬
                     ‫الدين‪.‬‬                ‫ليفرضوا وصايتهم على‬

  ‫كما أدرك طه حسين خطر‬                ‫المجتمع‪ ،‬ويضيِّقوا على الناس‬
   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212