Page 257 - m
P. 257

‫‪255‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫فنون‬

  ‫عن المعماري الذي صمم البناء‪،‬‬       ‫أضاف‪ ،‬إنما في تفكيك المشاهد‬    ‫والمذهبية السائدة‪ .‬والأمر الثاني‬
   ‫عن البنَّاء والمزخرف والخطاط‬    ‫والبحث في مفرداتها‪ ،‬في معايشة‬    ‫هو أني معن ٌّي بالأثر الماثل أمامي‬
 ‫والنحات‪ ..‬عن عامة الناس الذين‬
‫حملوا الحجارة‪ ،‬الذين ظل أمرهم‬        ‫الأعمدة وتلمس سحنة الحجر‬         ‫في الحاضر بمعزل عن تاريخه‬
    ‫مجهو ًل في كتب التاريخ التي‬         ‫وتقصي مسوغات دهشتي‬             ‫باعتباره بنية معمارية ون ًّصا‬
                                                                    ‫بصر ًّيا يستدعي قراءة تفاصيله‬
                        ‫قرأتها‪.‬‬      ‫الفائقة‪ .‬لقد فضلت الذهاب إلى‬   ‫والبحث في خصائصه الجمالية‪.‬‬
   ‫وباختصار أقول إن ما شغلني‬           ‫ما هو غير مدون‪ ،‬إلى خارج‬      ‫في رحابه لم أسأل نفسي كيف‬
    ‫ح ًّقا هو أمر العقل الذي نسج‬                                    ‫وصل إلينا إنما كيف يبدو الآن‪،‬‬
                                    ‫تاريخ الأسماء‪ ،‬إلى ما يستبطن‬
     ‫فكرة الجامع في خياله الحر‪،‬‬     ‫الحجر ويقيم في صلابة ذاكرته‬          ‫ولم أجهد نفسي في تحليل‬
      ‫والقلب الذي أحب الحجارة‬      ‫المرئية‪ .‬في أخاديد وعروق المرمر‬  ‫الوقائع؛ من شيَّد ومن ه َّدم ومن‬
‫وحملها من أقصى البلاد ونصبها‬
                                       ‫عثرت على أسئلتي الساذجة‬
        ‫واث ًقا من جمالها ووفائها‬
 ‫لتاريخها الخاص‪ ،‬وللسقف الذي‬

    ‫يغطي مئات الأمتار‪ .‬هل كان‬
‫مبدعو عمارة الجامع من الغرباء؟‬

   ‫ومن أين؟ المدونات لا تذكر أن‬
 ‫عقبة بن نافع ومن جاء من بعده‬

    ‫قد استقدم معماريين أو بناة‬
   ‫أجانب‪ .‬هل هم عبيد أو أسرى‬
 ‫حرب تكتم المؤرخون على أمرهم‬
  ‫لسبب من الأسباب؟ هل هم من‬

     ‫أبناء المنطقة غير عرب وغير‬
    ‫مسلمين دخلوا الإسلام مثلما‬
‫دخل غيرهم من الأقوام بعد الفتح‬
  ‫الإسلامي لدياره؟ هل يعقل أن‬
‫يكون الشعب بأسره قد قام بذلك‬
‫وليس من بينهم فرد متميز يشار‬
   ‫إليه؟ الشعب آنذاك كان خلي ًطا‬
   ‫من البربر‪ /‬السكان الأصليين‬
 ‫للمنطقة‪ ،‬وعرب نازحين‪ ،‬وقبائل‬
   ‫أفريقية طوطمية‪ ،‬وأقوام تدين‬
 ‫بالمسيحية‪ ،‬ويهود وبقايا رومان‬
  ‫ورثوا الحضارة البيزنطية التي‬
   ‫ع َّمت شمال أفريقيا قبل الفتح‬
 ‫الإسلامي‪ .‬في النهاية جنحت إلى‬
  ‫ابسط إجابة لهذه الأسئلة‪ :‬أنهم‬

        ‫عقل خليط من هذا وذاك!‬
‫لست إزاء هدف أنثروبولوجي في‬

   ‫البحث عن أصل المبدع وثقافته‬
   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262