Page 174 - merit 47
P. 174

‫العـدد ‪47‬‬          ‫‪172‬‬

                                                   ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬       ‫الأدبية أو السياسية أو‬
                                                                ‫كلتيهما‪ .‬إن كل قصيدة نثرية‬
    ‫وجه الخصوص‪ ،‬الطرق‬            ‫لتقليد «آخر» مختلف‪،‬‬
    ‫التي استحوذ بها شعراء‬                                        ‫تحدد أو تعيد تعيين معايير‬
  ‫النثر على أعمال الصوفيين‬       ‫متناوب ومخالف في علاقته‬           ‫الشكل الشعري‪ .‬ومع أخذ‬

     ‫مثل الن َّفري (محمد بن‬      ‫بالجمالية الشعرية الراسخة‪.‬‬          ‫ذلك في الاعتبار‪ ،‬سوف‬
   ‫عبدالجبار الن َّفري‪ ،‬المتوفي‬                                       ‫تطرح دراستي الحالية‬
    ‫عام ‪965‬م)(‪ ،)15‬وال ُكتَّاب‬       ‫وهكذا أصبحت فضا ًء‬            ‫الأسئلة الأساسية التالية‪:‬‬
   ‫الذين يمتازون بأسلوبهم‬        ‫ه َّدا ًما يتم من خلاله تحدي‬    ‫مع تنوع الممارسة الشعرية‬
  ‫النثري مثل التوحيدي (أبو‬                                          ‫لقصيدة النثر واختلافها‪،‬‬
‫حيان التوحيدي‪ ،‬المتوفي عام‬         ‫الأسس الأدبية والنقدية‬           ‫ما هو العنصر «المهيمن»‬
‫‪1023‬م)‪ ،‬وهي الكتابات التي‬                                           ‫المشترك (مستخدمة هنا‬
    ‫تشترك مع قصيدة النثر‬         ‫والأيديولوجية والاجتماعية‪.‬‬     ‫مصطلح رومان جاكوبسون)‬
   ‫في أسلوب المراوغة العامة‬                                     ‫(‪ )14‬بين قصائد النثر العربية؟‬
 ‫وغموضها اللغوي وتأثيرها‬         ‫ببيان ْي‬  ‫الفصل‬   ‫يبدأ هذا‬        ‫ما هو تدخلها الرئيسي في‬
   ‫الصادم‪ .‬وهنا أحاول فهم‬        ‫الحاج‬     ‫وأُنسى‬  ‫أدونيس‬          ‫مجرى الشعر العربي؟ ما‬
  ‫كيف ورط الجيل الأول من‬                                            ‫السمات التي تميزها عن‬
 ‫شعراء النثر التراث العربي‬       ‫حول قصيدة النثر‪ ،‬ثم يقوم‬          ‫الجماليات الأخرى‪ ،‬وكيف‬
  ‫في مشروعهم‪ ،‬وكيف يغير‬                                          ‫تعلق على الجماليات السابقة‬
   ‫هذا التمرين النقدي فهمنا‬      ‫بتسليط الضوء على ديوان‬           ‫وتضمها إليها؟ وأخي ًرا‪ ،‬ما‬
                                                                    ‫الذي يجعل قصائد النثر‬
      ‫لـ”الشعرية” في اللغة‬       ‫«لن» لأنسي الحاج بوصفه‬                ‫الفردية شع ًرا؟ وكيف‬
  ‫العربية‪ ،‬بما يتجاوز حدود‬                                       ‫تساهم قصائد النثر المفردة‬
                                 ‫دراسة للنظرية وتطبي ًقا لها‪.‬‬    ‫في التحقق من صحة الإطار‬
    ‫الوزن الشعري والشكل‬                                          ‫النظري العام لقصيدة النثر‬
           ‫المحدد المعروف‪.‬‬       ‫ويتطرق الفصل الثاني إلى‬
                                                                                   ‫العربية؟‬
     ‫أما الفصل الثالث‪ ،‬فهو‬       ‫دور قصيدة النثر كإطار‬               ‫يقتفي الفصل الأول أثر‬
    ‫يتتبع مغامرات أدونيس‬                                             ‫تحول الشعر والنثر إلى‬
                                 ‫أو عدسة نقدية‪ .‬حيث‬                   ‫مجرد وسائط شعرية‪.‬‬
      ‫في كتابة قصيدة النثر‬       ‫انخرط شعراء أو ُم َن ِّظري‬       ‫فإذا كانت القصيدة العربية‬
       ‫منذ تجاربه الأولى في‬       ‫قصيدة النثر العربي في‬          ‫الحرة قد ظلت ضمن الإطار‬
  ‫مجموعته الشعرية «أوراق‬                                          ‫المحدد للشعر العربي وذلك‬
     ‫في الريح» (الصادر عام‬       ‫قراءة «حماسية» لتراث‬             ‫من خلال إعادة ترتيب بناء‬
 ‫‪ ،)1958‬حتى إسهامه المؤثر‬                                         ‫الوزن الشعري لا التخلص‬
  ‫والمهم‪ ،‬أعني ديوان «مفرد‬       ‫النثر العربي؛ فلجأوا إلى‬       ‫منه نهائيًّا‪ ،‬فإن قصيدة النثر‬
    ‫بصيغة الجمع» (الصادر‬                                          ‫هي أول شكل شعري يقفز‬
    ‫عام ‪ ،)1977‬الذي يتألف‬        ‫تراث النثر العربي الغني‪،‬‬           ‫فوق حواجز الوزن بزعم‬
  ‫من قصيدة وحيدة طويلة‪،‬‬                                          ‫أنه نوع شعر ُو ِجد في أرض‬
   ‫مرو ًرا بمحطاته الشعرية‬       ‫وانتقوا منه النصوص التي‬        ‫بكر‪ .‬لقد وطدت قصيدة النثر‬
‫الرئيسية في مسيرته الأدبية‪،‬‬                                         ‫أقدامها على أنها استمرار‬
   ‫بما في ذلك ديوان «أغاني‬       ‫ساعدت في الإقرار بوجود‬
  ‫مهيار الدمشقي» (الصادر‬
  ‫عام ‪ .)1961‬كما يتتبع هذا‬       ‫قصيدة النثر الحديثة‬
     ‫الفصل أي ًضا أثر الخيط‬
                                 ‫وإضفاء الشرعية العربية‬

                                 ‫عليها‪ .‬إنني أدرس هنا‪ ،‬على‬

                                 ‫وديع سعادة‬
   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179