Page 207 - merit 47
P. 207
205 الملف الثقـافي
متاعب الإفضاء ،ومتاعب ما ليس حالة فنية ،أو إعادة
يترتب عليه .فالكلمة في حالة
شاعر مثله مسؤولية كبيرة، صياغة للعالم كما يقول
أحيا ًنا يكون الموت أهون من
القول ،والموت عند البردوني الرؤيويون فحسب ،ولكنه
هو الصمت ،هكذا يعترف فوق ذلك مثاقفة دائمة مع
للقصيدة وهي تتبازغ من
الأمكنة والأسماء والوقائع
منابت روحه:
أصبح الموت يا قصيدة أحنى والرموز التاريخية والأدبية،
مأمن ،ليتني أطلت أناتي هو أي ًضا أفق للتفكير،
لكنه يستدرك مخاطبًا نفسه ووجود يوازي وجوده
بصوت القصيدة نفسها: نفسه ،حياته دون شعر موت
لست موتية ،ولا الموت مني
الصبا حرفتي ،وقلبي أداتي حقيقي أو هكذا يقول:
من جهة أخرى فإن البردوني
يا متى يا إلى ويا كم
لا ينكر امتلاء قلبه بما لا
يستطيع قوله ،ففي كل وقت سأصغي
وفي كل مرحلة من مراحل للذي لا يقال أو لا يماتي
حياته هناك تصريحات
سابقة بهذا: وأشاكي قصيدة بعد مطل
أقو ُل ماذا يا ُض َحى يا
ُغ ُروب؟ أسرعت كي تميت عني
في القل ِب َش ْو ٌق غي ُر ما في مماتي
ال ُقلُوب
إنه يشتكي تسويف القصيدة
في القلب غي ُر ال ُب ْغ ِض ،غي ُر
الهوى التي أطالت مطله ،معنى هذا
فكيف أح ِكي يا ضجي َج أن القول تعسر هذه المرة،
الدروب
وهذا متعب فلديه ما يريد
أو قوله في ديوان جواب
العصور: قوله ،لديه كلام لا يقال إلا
يقولون :إن قلت أس ْمع َت ،إ ْن شع ًرا ،لقد ــــــعــــــــر البردوني
سك َّت ،ففي البال عشرون ظل الشعر
با ْل
هذا التصريح المتلاحق عن منصة
امتلاء القلب بما لا يمكن
قوله ،له أشباه ونظائر في البردوني أو الحياة بالإفصاح
تجارب شعراء تقع تجاربهم الأولى ،كل
في صلب المؤثرات الكبرى أنشطته
على تجربة البردوني ،أبو
الكتابية
الأخرى تنويع على الشعر ،ما
يقوله في شعره هو البردوني
الأكثر صيرورة ،الأكثر بقا ًء،
الأكثر تعبي ًرا عنه ،وتأثي ًرا
على الناس ،فإن لم يستطع
القول فهو في عداد الميتين،
لكن القصيدة تأتي مسرعة
تميط حالة الإحباط ،وتم ِّوت
الموت ،لكن القصيدة بمقدار
ما هي ولادة جديدة ،فإنها
حياة كاملة من المتاعب،