Page 210 - merit 47
P. 210

‫مر بها البردوني في حياته‬        ‫التصريح المتلاحق عن امتلاء القلب‬
   ‫كلها‪ ،‬فقد استغرق صراع‬         ‫بما لا يمكن قوله‪ ،‬له أشباه ونظائر‬
 ‫قلبيه‪ ،‬القلب الذي ينبض في‬
 ‫صدره‪ ،‬والقلب الذي ينبض‬             ‫في تجارب شعراء تقع تجاربهم‬
‫في صدر شعبه‪ ،‬بين الصمت‬                ‫في صلب المؤثرات الكبرى على‬
  ‫والافصاح ثلاثة عشر بيتًا‪،‬‬
    ‫يذهلنا فيها عمق اللحظة‪،‬‬      ‫تجربة البردوني‪ ،‬أبو العلاء المعري‬
‫ضرواة المعاناة‪ ،‬وقوة التدافع‬     ‫مثًل‪ ،‬يؤكد غير مرة في كتابه "لزوم‬

                   ‫النفسي‪:‬‬             ‫مالا يلزم" بأن لديه ما يخفيه‪،‬‬
       ‫من أين أفضي فتقول‬          ‫وأنه ليس كل ما يعتمل في صدره‬
                                  ‫يمكن قوله‪ ،‬وهو يسميها أسراًرا‪،‬‬
                   ‫الجروح‬
   ‫اسكت فعند الصمت ما لا‬              ‫والمقصود أنها أفكار صادمة لا‬
                                       ‫تخطر على بال معظم الناس‪.‬‬
                      ‫تبوح‬
     ‫لا استأنس الصمت إلى‬           ‫يا قلب ما أدناك منهم‪ ،‬وما‬      ‫مثل أفكار أضاعت فمها‪..‬‬
                                      ‫أخفاهم عنك‪ ،‬وما أبعدا‬       ‫وتلاقيه‪ ،‬فتنسى أن تعبِّر‬
                     ‫صمته‬                                       ‫لا يعي الآتي‪ ،‬إلى أين ومن‪..‬‬
      ‫لا أقدر التصويت عجز‬         ‫لقد ظل الجرح النازف بين‬        ‫ليس يدري صادر‪ ،‬من أين‬
                                      ‫القول والصمت مشكلة‬
                   ‫الطموح‬                                                          ‫يصدر‬
  ‫قولي فأصغي أو تقولين لي‬           ‫البردوني في كل دواوينه‬     ‫ثم هم على ترديهم أكثر قدرة‬
  ‫فيعبق الورد مكان القروح‬          ‫تقريبًا‪ ،‬وقد ازدادت وتيرة‬
‫تهازج القلبين يشفي الضنى‬           ‫التعبير عن هذه الإشكالية‬        ‫على الارتداد عن كل فعل‬
 ‫ويمنح النجوى كيا ًنا وروح‬                                                          ‫نبيل‪:‬‬
                                     ‫في دواوينه التي صدرت‬
     ‫حيث السكوت الختل لا‬               ‫منذ مطلع السبعينيات‬      ‫ثرت ُم و ُثرنا‪ ،‬فل َّما نل ُت ُم و َط ًرا‬
                    ‫تعبري‬                                        ‫هدأت ُم‪ ،‬وسهرنا نحن ث َّوارا‬
                                  ‫واستمرت حتى ديوان «ابن‬       ‫أردت ُم أن تناموا مرتوين كما‬
‫وجاوري بيت العقور النبوح‬         ‫شاب قرناها»‪ ،‬ففي قصيدته‬         ‫شئنا نبيت َعطاشى نرضع‬
   ‫تغلين في قلبي وتأبين أن‬
     ‫أشي بخفق في ضلوعي‬              ‫«مسروقة القلبين»‪ ،‬وهي‬                           ‫النارا‬
                     ‫نطوح‬         ‫القصيدة الثانية في الديوان‪،‬‬  ‫المثقفون المستقلون يضجون‬
     ‫حمل َت ه ًّما؟ أن َت أشقى‪،‬‬   ‫كان لا بد أن يكسر الصمت‬
                                 ‫بسردية تكسر غرور سردية‬          ‫بمقولات سرديته لكنهم لا‬
 ‫أنا مالي إلى ما تبتغيه جنوح‬                                      ‫ُي َف ِّعلونها‪ ،‬ولا يستطيعون‬
  ‫تدرين ما للزهر عطرية لو‬           ‫السلطة الذي أعقب حرب‬
                                   ‫‪ ،1994‬ولأن اللحظة كانت‬           ‫مجاراتها‪ ،‬لذلك فهم لم‬
    ‫لم تثنيه الرياح الفضوح‬          ‫من أصعب اللحظات التي‬          ‫يشكلوا ناص ًرا حقيقيًا له‪:‬‬
 ‫أحنو على الأوجاع من دفنها‬

   ‫أنينها فيها وعندي شروح‬
       ‫أود أن أحملها أغصنا‬

‫أجيد عنها الشجو عني تفوح‬
 ‫نذوب لحنًا أو د ًما‪ ،‬يا صدى‬

                       ‫من‬
      ‫ذا شدا‪ ،‬من فاح أو من‬

                     ‫ينوح؟‬
   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215