Page 208 - merit 47
P. 208

‫العـدد ‪47‬‬          ‫‪206‬‬

                                                                    ‫نوفمبر ‪٢٠٢2‬‬      ‫العلاء المعري مث ًل‪ ،‬يؤكد‬
                                                                                 ‫غير مرة في كتابه «لزوم مالا‬
    ‫تلك الصراعات تفرعت‬          ‫أرتعيه‪ ،‬أحسه في نيوبي‬
    ‫منها صراعات أخرى‪،‬‬              ‫يرتعيني‪ ،‬أحس نه ًشا‬                              ‫يلزم» بأن لديه ما يخفيه‪،‬‬
  ‫تتعلق بقراءات البردوني‬                       ‫وقضما‬                                ‫وأنه ليس كل ما يعتمل في‬
  ‫المغايرة للتاريخ الشعري‬
      ‫والثقافي والاجتماعي‬     ‫وإذن فإن أسرار البردوني‬                                 ‫صدره يمكن قوله‪ ،‬وهو‬
      ‫والسياسي والثوري‬            ‫لم تكن تتعلق بالخوف‬                              ‫يسميها أسرا ًرا‪ ،‬والمقصود‬
                                ‫من الموت‪ ،‬ولكنها تتعلق‬                             ‫أنها أفكار صادمة لا تخطر‬
      ‫لليمن‪ ،‬كذلك قراءاته‬
     ‫للشخصيات الشاعرة‬           ‫بسرديته‪ ،‬كان البردوني‬                                ‫على بال معظم الناس‪ ،‬إذ‬
                              ‫الذي استطاع بذاته تجاوز‬                               ‫هي نتاج تأملات وقراءات‬
         ‫والمثقفة والثائرة‪.‬‬                                                      ‫وتجارب عميقة‪ ،‬ثم هي ضوء‬
  ‫وبسبب ما كان يتمتع به‬          ‫واقعه البائس‪ ،‬قد دخل‬                            ‫قريحة عبقرية لا يتصف بها‬
  ‫من جماهيرية‪ ،‬وحضور‬           ‫منذ مطلع السبعينيات في‬                               ‫إلا القليل من الناس‪ ،‬يقول‬

     ‫كاريزمي معزز بسعة‬           ‫مفارقة مع ذلك الواقع‪،‬‬                                               ‫المعري‪:‬‬
  ‫الثقافة والبصيرة الثاقبة‬      ‫لم يستطع المشهد اليمني‬                                 ‫بني زمني هل تعلمون‬
  ‫المرهفة‪ ،‬ووضوح الرؤية‬
   ‫وعمقها وامتدادها‪ ،‬فقد‬           ‫‪-‬سياسيًّا واجتماعيًّا‬                                             ‫سرائ ًرا‬
                                ‫وثقافيًّا‪ -‬تجاوز َت َر ِّد َيا ِته‬                 ‫علمت ولكني بها غير بائح‬
      ‫كان اتخاذه من ذاته‬      ‫وتخلُّفه وانحرافاته‪ ،‬وكان‬
   ‫مرج ًعا في أغلب الأحيان‬                                                                     ‫ويقول أي ًضا‪:‬‬
                                  ‫تبرير ذلك يتم إما من‬                             ‫ولدي سر ليس يمكن ذكره‬
    ‫لرؤية كل ما حوله‪ ،‬لا‬        ‫خلال الجهل أو التجهيل‬                            ‫يخفى على البصراء وهو نهار‬
    ‫يلقى معارضة أو يثير‬          ‫المتعمد‪ ،‬وهذا كان سببًا‬                            ‫لكن أسرار المعري تختلف‬
‫حفيظة عند العموم‪ .‬فهو في‬      ‫جوهر ًّيا في جعل البردوني‬
‫نظر الناس كما هو في نظر‬                                                                 ‫عن أسرار البردوني‪،‬‬
                                  ‫يقدم ذاته مرج ًعا ‪-‬في‬                          ‫اختلاف ظرفيهما التاريخيين‪،‬‬
                   ‫نفسه‪:‬‬       ‫أغلب الأحيان‪ -‬لرؤية كل‬                            ‫واختلاف جغرافيتيهما‪ ،‬أي ًضا‬
    ‫ارتاد واعتصر الأزمان‬      ‫ما حوله‪ ،‬المرجعية الذاتية‪،‬‬
                              ‫كانت من أسباب صراعاته‬                                  ‫اختلاف المفاهيم الثقافية‪،‬‬
                   ‫مكتبه‬     ‫التي احتدمت في تلك الفترة‬                                 ‫والسياقات المخلِّقة لها‪،‬‬
‫واستجمع الشهب في كفيه‬                                                                 ‫إحجام المعري عن إذاعة‬
                                   ‫مع السلطة من جهة‪،‬‬
                                ‫ومع أكاديميين ومثقفين‬                              ‫الأسرار التي يعرفها سببه‬
                               ‫ومبدعين يمنيين من جهة‬                                                ‫الخوف‪:‬‬
                               ‫أخرى‪ .‬وقد اتخذ الصراع‬
                             ‫أكثر من وجه‪ ،‬منها الخلاف‬                                 ‫واصمت فإن كلام المرء‬
                                                                                                      ‫يهلكه‬
                                  ‫حول الشكل الشعري‪،‬‬
                                 ‫والوعي بوظيفة الشعر‪،‬‬                             ‫وإن نطقت فإفصاح وإيجاز‬
                                                                                 ‫أما البردوني فلم يكن يخشى‬
                                   ‫وشمل كذلك سلسلة‬
                                  ‫مفاهيم إبداعية ونقدية‬                            ‫الموت؛ بل العكس‪ ،‬فقد كان‬
                             ‫ف َّجرها هو بداية‪ ،‬من خلال‬                            ‫يتمنى مو ًتا من هذا النوع‪،‬‬
                              ‫ما طرحه في أول كتبه غير‬                              ‫مو ًتا يترتب على إفصاحات‬
                             ‫الشعرية‪ ،‬وهو كتاب «رحلة‬
                                 ‫في الشعر اليمني قديمه‬                                                ‫مقلقة‪:‬‬
                               ‫وحديثه» الذي صدر سنة‬                                      ‫أعشق الموت ساخنًا‪،‬‬

                                                ‫‪.1972‬‬                                              ‫يحتسيني‬
                                                                                  ‫فائ ًرا‪ ،‬أحتسيه جم ًرا وفحما‬
   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213