Page 187 - merit 45
P. 187

‫‪185‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

                   ‫الخاص‪.‬‬                 ‫جي ديبور‬             ‫أدوات العنف الاجتماعي‬
  ‫وهذا ليس تر ًفا‪ ،‬بل بروفة‬                                  ‫الأكثر فاعلية‪ .‬لدرجة أنني‬
‫يومية للتعود على «الانتهاك»‪،‬‬  ‫ولتحقيق توفير أكبر‪ ،‬تحشر‬       ‫كلما اضطررت لركوبه في‬
  ‫ُيضاف إلى ذلك أن الراكب‬     ‫العائلة والجيران والأصدقاء‬    ‫وقت متأخر من الليل‪ ،‬أظل‬
 ‫محكوم بالذوق الرديء ج ًّدا‬                                  ‫أثني على السائق ورجولته‬
   ‫للسائق‪ ،‬أغاني مهرجانات‬          ‫أنفسهم‪ ،‬رغم أن المقعد‬     ‫وشهامته ونخوته الدينية‪،‬‬
  ‫مبتذلة (معظم معرفتي بها‬          ‫خلف السائق مخصص‬         ‫وأننا «أخوة» لأنني لا أضمن‬
   ‫جاءت من التكاتك حولي)‬       ‫لراكبين فقط‪ ،‬لكن قد يحمل‬
                               ‫ثلاثة ورابعهم يسند بجوار‬        ‫ما توسوس به نفسه لو‬
      ‫أو قراء قرآن من طبقة‬                                 ‫طمع في موبايلي مث ًل‪ ،‬ولدي‬
  ‫متواضعة‪ ،‬إضافة للصوت‬                           ‫السائق‪.‬‬
 ‫العالي‪ ،‬الذي يفرضه السائق‬        ‫من ثم يعتاد الناس إلغاء‬    ‫هاجس (وهو صحيح) أن‬
   ‫على الحارة كلها حتى بعد‬    ‫المسافة الشخصية والحميمة‪،‬‬      ‫معظمهم يحتفظ بآلة حادة‬
‫منتصف الليل‪ ،‬كأنه يعلن عن‬                                     ‫وقاتلة لأي ظرف طارئ‪.‬‬
                                    ‫وهذا أسوأ من الطبقية‬
       ‫سيطرته على الجميع‪.‬‬      ‫‪-‬القائمة على أية حال‪ -‬لأن‬         ‫لذلك كلما اضطر ابني‬
       ‫إن الجسد بما في ذلك‬                                  ‫لركوبه كنت أوصله بنفسي‬
 ‫الحواس‪ ،‬ليس له هنا حرمة‬           ‫الجسد منتهك في مجاله‬
‫ولا خصوصية‪ ،‬بل إن الحياة‬                                     ‫وأحفظ شكل السائق وأية‬
‫نفسها ‪-‬كما أشرنا‪ -‬لا قيمة‬                                      ‫علامة مميزة في مركبته‪.‬‬
   ‫لها‪ ،‬طالما ارتضينا ركوب‬                                    ‫فركوب وسيلة نقل «غير‬
 ‫وسيلة مفتقرة للأمان‪ ،‬ومع‬
‫سائق غير مرخص غالبًا‪ ،‬ولا‬                                         ‫قانونية تقريبًا» يعني‬
                                                            ‫الاستعداد الدائم لتصرفات‬
        ‫ندري ماذا يتعاطى‪.‬‬
    ‫فالتوكتوك يعكس طبيعة‬                                       ‫«غير قانونية»‪ .‬حتى مع‬
 ‫الحياة لمجمل الناس‪ ،‬بعنفها‬                                      ‫وجود سائقين طيبين‬
‫المادي والرمزي‪ ،‬والاستهانة‬                                      ‫موظفين على المعاش أو‬
     ‫بالجسد والموت المبتذل‪.‬‬
                                                            ‫أشخاص لديهم ورع ظاهر‪.‬‬
‫‪ -5‬أخلاق الزحام‬
                                                            ‫‪ -4‬العنف الرمزي‬
   ‫كل ما كان ُينتقد في ثقافة‬
‫الميكروباص‪ ،‬تضاعف مرات‬                                           ‫ح َرمت التكاتك الناس‬
                                                              ‫من المشي ونعمة الصحة‬
     ‫مع ثقافة التوكتك‪ ،‬لأنه‬
 ‫أكثر خرو ًجا عن السيطرة‪.‬‬                                          ‫والرياضة‪ ،‬والتأمل‪،‬‬
                                                               ‫ومصافحة الجيران‪ .‬ولم‬
      ‫ومثلما كانت «الكولا»‬                                 ‫ترتبط بمظاهر العنف المادي‬
      ‫و»ماكدونالدز» علامة‬                                   ‫فحسب‪ ،‬بل بالعنف المعنوي‬
  ‫الأمركة‪ ،‬فقد أصبح علامة‬                                  ‫والرمزي أي ًضا‪ .‬فمثلما هناك‬
‫العشوائية المعبرة عن الألفية‬                                 ‫سيارات مرسيدس فارهة‬
‫الجديدة بكل مركب الفوضى‬                                        ‫توفر للراكب خصوصية‬
‫والجهل والعنف وقلة الذوق‬                                   ‫وشقة فاخرة داخل السيارة‪،‬‬
                                                               ‫يأتي التوكتوك كوسيلة‬
                                                             ‫نقل على النقيض‪ ،‬تلغي أية‬
                                                            ‫خصوصية لك‪ ،‬ففي الغالب‬
   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192