Page 191 - merit 45
P. 191

‫‪189‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫الآمنة‪ ،‬والتي قد لا يستطيع‬       ‫متنًا‪ ،‬بقدر ما أمست خلفية‬        ‫يصل إلى ‪ 2.5‬مليون توك‬
    ‫بعض الأفراد استخدامها‬           ‫التوك توك ن ًّصا وخطا ًبا‪.‬‬  ‫توك‪ ،‬وكان هذا التصريح منذ‬
       ‫نظ ًرا لارتفاع تكلفتها‪.‬‬      ‫على هذا الأساس‪ ،‬سوف‬
                                                                              ‫أكثر من عام‪.‬‬
‫وبالإضافة لذلك‪ ،‬يعتبر التوك‬     ‫يحاول هذا المقال تقديم رؤية‬           ‫والأهم من ذلك كله أن‬
‫توك لوحة يكتب عليها بعض‬           ‫وتفسيرات متعددة لظاهرة‬         ‫التكاتك لم تعد مجرد وسيلة‬
 ‫الأفراد رسائلهم وخطاباتهم‬                                          ‫للتنقل‪ ،‬بل أصبحت فع ًل‬
‫لتتحرك في المجال العام الذي‬     ‫الكتابة على التكاتك‪ ،‬وذلك من‬        ‫للكلام‪ ،‬ومساحات يعتمد‬
 ‫تم استعماره أو إغلاقه أمام‬     ‫منظور علم الاجتماع الثقافي‪.‬‬        ‫عليها أصحابها في الإدلاء‬
                                                                 ‫ببيانات شخصية‪ ،‬وبرسائل‬
     ‫أصواتهم‪ ،‬وبغض النظر‬                 ‫(‪)1‬‬                     ‫مكتوبة‪ ،‬وخطابات متحركة‪،‬‬
  ‫عن مضمون هذه الرسائل‬                                              ‫تنتقل مع التوك توك عبر‬
 ‫أو محتواها‪ ،‬فهي بالأساس‬           ‫من آليات السيطرة الخفية‬         ‫فضاءات المجال العام‪ ،‬تقع‬
                                 ‫للنظام الرأسمالي‪ ،‬ومقومات‬        ‫عيون الآخرين عليها‪ ،‬تارة‬
      ‫تعبير عن هوية وأفكار‬      ‫إعادة إنتاج نفسه باستمرار‪،‬‬            ‫تضحكهم‪ ،‬وتارة ثانية‬
  ‫جماعات من الأفراد‪ ،‬سواء‬                                         ‫تثير أشجانهم‪ ،‬وتارة ثالثة‬
‫اتفقنا معهم أو اختلفنا‪ .‬وكما‬          ‫أنه لا يغلق كل جدران‬           ‫تذكرهم بأغنية شهيرة‪،‬‬
                                     ‫الرأسمالية أمام الفقراء‪،‬‬     ‫وتارة رابعة لا يبالون بها‪،‬‬
    ‫أشارت «علا حافظ» فإن‬           ‫بل على العكس‪ ،‬يترك لهم‬       ‫ولكن في المجمل‪ ،‬تؤشر بعض‬
  ‫الخطابات المكتوبة على هذه‬        ‫ثقو ًبا في جدرانه‪ ،‬تمكنهم‬       ‫الخطابات الواعية والناقدة‬
  ‫المركبات الصغيرة‪ ،‬تضيف‬          ‫من الحياة‪ ،‬ولو عند حدود‬        ‫المكتوبة على التكاتك ‪-‬وتبدو‬
                                  ‫الكفاف‪ ،‬ويعتبر التوك توك‬        ‫قليلة‪ -‬على أنه في أي لحظة‬
    ‫«لمسة إنسانية» إلى جسم‬           ‫إحدى هذه الثقوب‪ ،‬فهو‬           ‫يمكن أن يض َحى الهامش‬
    ‫معدني‪ ،‬ويعبر عن هوية‬            ‫وسيلة تنقل ومواصلات‬
     ‫صاحب المركبة‪ ،‬ويحول‬         ‫أساسية للبسطاء‪ ،‬رغم أنها‬
 ‫الشارع “الفضاء الاجتماعي‬           ‫تفتقد كل متطلبات الأمن‬
    ‫العام» إلى ساحة للعرض‬         ‫الإنساني‪ ،‬مقارنة بطغيان‬

                ‫والتواصل‪.‬‬               ‫السيارات‬
   ‫فالواقع‪ ،‬لا أحد يمكن أن‬      ‫الفارهة ووسائل‬

     ‫يمنع شخص آخر من‬                ‫المواصلات‬
   ‫الكلام‪ ،‬والتعبير عن ذاته‪،‬‬
    ‫مهما بلغت درجة انسداد‬
    ‫قنوات الكلام في الفضاء‬
    ‫العام‪ ،‬فالكلام كاشف في‬
‫فهم جدلية الوجود الإنساني‬
‫وتفاعلات البشر‪ ،‬والمجتمع لا‬
  ‫يستقيم إلا من خلال حوار‬
 ‫مستمر‪ ،‬وخطابات منسجمة‬
  ‫ومتعارضة ومتدفقة‪ ،‬تحت‬
  ‫مظلة نظام الكلام الرمزي‪،‬‬
  ‫واعتراف متبادل بين كافة‬

              ‫أفراد المجتمع‪.‬‬
‫وعندما تغلق مكلمات الفضاء‬

  ‫العام أمام من يريد الكلام‪،‬‬
   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196