Page 188 - merit 45
P. 188

‫العـدد ‪45‬‬                             ‫‪186‬‬

                                ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬                     ‫و»اللاقانوني»‪ ،‬ولم يعد مجرد‬
                                                                      ‫دال على الفرق الطبقي‪.‬‬
  ‫السائق أو رسالته التي يود‬       ‫‪ -6‬حامل نصوص‬
‫إبلاغها لكل متل ٍق عبر تجواله‬                                       ‫إنها علاقة تبادلية‪ ،‬فالآلة‬
                                ‫شغلني دائ ًما العبارات المدونة‬          ‫التي تعبر عن أخلاق‬
            ‫بها في الشوارع‪.‬‬       ‫على ظهر كل توكتوك‪ ،‬كأنها‬
                                                                    ‫الزحام وتمثله‪ ،‬هي أي ًضا‬
‫‪ -7‬حس إبداعي فكاهي‬                  ‫عنوان دال عليه‪ ،‬خلاصة‬          ‫تنتج وتروج هذه الأخلاق‬
                                    ‫الحكمة التي توصل إليها‬
 ‫إذا استبعدنا النصوص التي‬          ‫صاحبه‪ ،‬وشارة مميزة له‬              ‫وتكرسها وتعمم ذوقها‬
    ‫تفقد قدرتها على استثارة‬      ‫مثلما لكل نا ٍد رياضي شعار‬       ‫ومزاجها‪ .‬في كناية مباشرة‬
                                                                  ‫عن حياة الفقراء والمهشين‪،‬‬
‫التلقي وتحفيز التأويل يتبقى‬                        ‫وشارة‪.‬‬
    ‫لدينا نوع إبداعي‪ ،‬مرتبط‬         ‫والمفارقة أن يتحول ‪-‬على‬            ‫حيث إنه خطر وضيق‬
   ‫بالسائق بوصفه «مرسل»‬           ‫كل ما يمثله من رداءة‪ -‬إلى‬        ‫مثل مساكنهم‪ ،‬وعمارتهم‪،‬‬
      ‫الخطاب‪ .‬ومن الصعب‬         ‫حامل وموصل لثقافة مدعية‪،‬‬          ‫وشوارعهم‪ ،‬بل مثل وعيهم‬
                                   ‫كأن نرى شارات لشركات‬
‫تصنيف كل أنواع المقول‪ ،‬لكن‬                                                           ‫أي ًضا‪.‬‬
   ‫حسب العينة التي اخترتها‬             ‫السيارات العالمية مثل‬           ‫من المفترض نظر ًّيا أن‬
              ‫سنجد ما يلي‪:‬‬       ‫مرسيدس‪ ،‬ونصو ًصا دينية‪،‬‬            ‫الشعوب تحسن تجاربها‬
       ‫‪ -1 /7‬حكمة دينية‪:‬‬                                        ‫بالتراكم‪ ،‬وتتجه نحو مستقبل‬
  ‫هناك عبارات تعبر عن حكم‬                 ‫وملصقات حكيمة‪.‬‬             ‫مشرق‪ ،‬ومن البدهي أن‬
   ‫وأدعية دينية لكنها تحاول‬         ‫لم أفكر في تصنيف أنواع‬         ‫كل آلة جديدة هي وعد في‬
       ‫الابتكار والابتعاد عن‬       ‫الخطاب‪ ،‬لكن إجما ًل هناك‬          ‫سلم التطور التقني‪ .‬لكن‬
  ‫الصياغة الجاهزة المتعارف‬                                          ‫الأمر ليس بهذه البساطة‪،‬‬
                                           ‫نوعان أساسيان‪:‬‬         ‫فالحيوانات على بطئها كانت‬
‫عليها‪« :‬يا رب جنة»‪« ،‬على إيه‬         ‫الأول‪ :‬خطاب «كليشيه»‬             ‫جز ًءا من الطبيعة ونقاء‬
  ‫بتحسبها وأنت هاتسيبها»‪،‬‬         ‫ورائج‪ ،‬ولكثرة استعماله لا‬         ‫البيئة‪ ،‬بينما التوكتوك لم‬
  ‫«افعل ما شئت سترحل كما‬           ‫ينتج معرفة جديدة‪ ،‬اكتفاء‬      ‫يقدم حلو ًل‪ ،‬بقدر ما ضاعف‬
                    ‫جئت»‪.‬‬          ‫بجمل معتادة مثل‪« :‬العين‬            ‫مصادر وأنواع التلوث‬
       ‫‪ -2 /7‬خبرة ذاتية‪:‬‬        ‫صابتني ورب العرش نجاني»‬
     ‫تضم عبارات قد تلخص‬                                                       ‫السمعبصري‪.‬‬
                                        ‫أو «صل على النبي»‪.‬‬         ‫هذا جانب هش ومبتذل في‬
‫تجارب خاصة وذاتية للسائق‬              ‫لا يريد صاحب الشعار‬         ‫نظام الاستهلاك القائم على‬
  ‫أو مستلهمة من أعمال فنية‬            ‫أن يقدح ذهن ولا يفكر‬
    ‫يتابعها‪ ،‬مع إشارة أحيا ًنا‬      ‫في تركيب لفظي مبتكر أو‬           ‫الرواج وإغراء واستلاب‬
  ‫إلى صفاته أو اسمه وكنيته‬         ‫معنى مغاير مثير للدهشة‬       ‫المستهلك أكثر من جودة القيم‬
  ‫وحسه الفكاهي‪« :‬خدو اللي‬         ‫والتفكر وفك الشفرة‪ .‬ومن‬
  ‫مش ليهم وياريت مكفيهم»‪،‬‬           ‫ثم تكون العلاقة التفاعلية‬      ‫والمعايير التي تقدمها الآلة‬
 ‫«لو صخر الجبل اتبدل احنا‬        ‫لدى المتلقي صفرية‪ ،‬حيث لا‬           ‫لخدمة المجتمع وارتقائه‪.‬‬
 ‫ما نتبدلش‪ ..‬احترس السواق‬        ‫مجال للتأويل‪ .‬ولذلك يخرج‬           ‫لعل أبلغ عبارة صادفتني‬
  ‫صعيدي»‪« ،‬ما تحسدونيش‬           ‫من مجال الإبداع‪ ،‬لأنه أقرب‬          ‫على ظهر توكتوك معبرة‬
     ‫يا حارة دا توكتوك مش‬         ‫إلى استعمال اللغة في حدها‬
  ‫طيارة»‪« ،‬حبيشة ابن حلال‬                                               ‫عن الفوضى والعنف‬
     ‫بس أخته طلعت شمال»‪.‬‬                        ‫الضروري‪.‬‬         ‫وأخلاق الزحام والاستهلاك‬
     ‫ولعل أغرب عبارة ذاتية‬        ‫الثاني‪ :‬خطاب لافت ومبتكر‬
   ‫مرت أمامي كانت‪« :‬فاطمة‬         ‫في معانيه وتراكيبه اللغوية‪،‬‬      ‫كانت تقول‪« :‬العالم منتهي‬
                                  ‫يظهر جانبًا ما في شخصية‬                       ‫الصلاحية»!‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193