Page 192 - merit 45
P. 192

‫سوف نتطرق لظاهرة الكتابة‬            ‫لا أحد يمكن أن يمنع شخص آخر‬
    ‫على التوك توك من خلال‬       ‫من الكلام‪ ،‬والتعبير عن ذاته‪ ،‬مهما‬

‫التراث العلمي‪ ،‬وخلاصة عدد‬          ‫بلغت درجة انسداد قنوات الكلام‬
 ‫من الأبحاث التي ركزت على‬           ‫في الفضاء العام‪ ،‬فالكلام كاشف‬
                                   ‫في فهم جدلية الوجود الإنساني‬
   ‫رصد الظاهرة وتفسيرها‪،‬‬       ‫وتفاعلات البشر‪ ،‬والمجتمع لا يستقيم‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬قام «النشار‬      ‫إلا من خلال حوار مستمر‪ ،‬وخطابات‬
                                ‫منسجمة ومتعارضة ومتدفقة‪ ،‬تحت‬
  ‫ونايف» بالتحقيق في بعض‬         ‫مظلة نظام الكلام الرمزي‪ ،‬واعتراف‬
  ‫الخطابات المكتوبة على عدد‬         ‫متبادل بين كافة أفراد المجتمع‪.‬‬
   ‫من المركبات لمعرفة ما إذا‬
 ‫كانت بمثابة تعبير عن القيم‬    ‫إرسال خطاب للآخر‪ ،‬وكأنه‬       ‫فهو إما العنف الذي يتكاثر‬
   ‫الاجتماعية والأيديولوجية‬       ‫يمارس إعادة ترميم ذاته‬      ‫على نواصي الحياة اليومية‬
                                 ‫المنسية‪ ،‬أو ذاته المحشورة‬  ‫وفي أزقتها المكتظة بالأجساد‬
      ‫والانتماءات السياسية‪،‬‬      ‫بين شقى الرحى‪ ،‬أو ذاته‬
 ‫وافترض الباحثان في البداية‬         ‫التي لا يراها أحد‪ ،‬ولا‬      ‫والألسنة‪ ،‬أو النضال من‬
                                    ‫يعترف بوجودها واقع‬        ‫أجل فتح تقوب في جدران‬
     ‫أن الكتابة على المركبات‬        ‫مأزوم‪ ،‬ويشحن نفسه‬         ‫الفضاءات الكلامية المغلقة‪،‬‬
   ‫بمثابة وسيلة تعبير قوية‬                                    ‫أو التحايل‪ ،‬كل ذلك بهدف‬
                               ‫بنفسه بهدف مواجهة مشقة‬       ‫نقش كلام وتعبير عن ذوات‪،‬‬
       ‫للجماعات التي تشعر‬        ‫الحياة ومعضلات العيش‪،‬‬      ‫تارة يكون الخطاب ذا دلالة‪،‬‬
  ‫بالتهميش من قبل المجتمع‪،‬‬        ‫وكوابح الوجود‪ ،‬وموانع‬      ‫وتارة ثانية يكون فار ًغا بلا‬
                                 ‫الكلام‪ ،‬إنها رسالة ومهما‬    ‫مضمون‪ ،‬وتارة ثالثة يكون‬
    ‫وكشفت الدراسة عن أن‬            ‫كانت بلا مضمون‪ ،‬هي‬         ‫الكلام رصيد من لا رصيد‬
 ‫الخطاب القائم على تعبيرات‬        ‫بالنسبة لصاحبها تحمل‬
  ‫دينية ش َّكل أكثر من نصف‬      ‫معنى أنه موجود‪ ،‬وما زال‬                             ‫له‪.‬‬
                                                               ‫يمكن أن تنظر إلى اللحظة‬
   ‫النصوص التي تم جمعها‬        ‫يملك صو ًتا وخطا ًبا‪ ،‬ويمكن‬
  ‫وتحليلها‪ ،‬كما أن مضمون‬            ‫أن يتحايل على الوجود‬          ‫التي يهم فيها صاحب‬
 ‫بعض العبارات كان إيجابيًّا‬                                     ‫الخطاب بكتابة نص على‬
‫نحو الذات‪ ،‬بينما سلبيًّا تجاه‬   ‫ويرسلها للفضاءات العامة‪.‬‬
                                                                  ‫مركبته الصغيرة‪ ،‬على‬
    ‫الآخر‪ ،‬كما كشف تحليل‬               ‫(‪)2‬‬                    ‫أنها لحظة تكشف الحقيقة‬
  ‫الخطابات عن نزعة إيجابية‬                                    ‫الذاتية بالنسبة له‪ ،‬ودرجة‬
                                  ‫في هذا الجزء من المقال‪،‬‬
    ‫في التعبيرات الاجتماعية‬                                      ‫من درجات وعي الذات‬
  ‫والفلسفية‪ ،‬بينما التعبيرات‬                                     ‫بجوهرها‪ ،‬وقدرتها على‬

       ‫السياسية نادرة ج ًّدا‪.‬‬
    ‫وهذه النتائج السابقة‪ ،‬لا‬
    ‫تختلف كثي ًرا عن النتائج‬
‫التي انتهت إليها دراسة «علا‬
‫حافظ»‪ ،‬ولكن بجانب انتشار‬
  ‫العبارات الدينية‪ ،‬كان هناك‬
    ‫الكثير من العبارات التي‬
    ‫تحارب الحسد‪ ،‬وفسرت‬
 ‫ذلك‪ ،‬باعتباره آليات لمجابهة‬

      ‫المخاطر التي تهدد هذه‬
  ‫المركبات على الطرق‪ ،‬بما في‬
   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197