Page 193 - merit 45
P. 193

‫‪191‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫د‪.‬بهاء مزيد‬                 ‫د‪.‬علا حافظ‬                         ‫ذلك الحوادث والغرامات‪،‬‬
                                                                      ‫والنزاعات على الركاب‪،‬‬
 ‫وتنويعات على «آه لو لعبت‬            ‫صفحته بموقع التواصل‬
  ‫يا زهر» و»كتاب حياتي يا‬            ‫الاجتماعي «الفيسبوك»‪،‬‬       ‫ومضايقات الأجهزة الأمنية‪،‬‬
                                       ‫وذلك على النحو التالي‪:‬‬      ‫والاختناقات المرورية‪ ،‬ففي‬
                     ‫عين»‪.‬‬       ‫العبارة الأولى‪« :‬كلو جزم»‬        ‫مواجهة كل هذه التهديدات‪،‬‬
   ‫في هذا النَّص المكتوب على‬                                       ‫يلقي السائقون باللوم على‬
   ‫خلفية توك توك‪« :‬حفيان‬                  ‫مما يتقاسم سائقو‬          ‫العين الشريرة‪ ،‬ويحتمون‬
  ‫في زمن كلو جزم» معنيان‬             ‫الميكروباصات والتكاسي‬         ‫من ذلك بالعبارات الدينية‪،‬‬
   ‫في أقل تقدير‪ .‬الأول نحن‬           ‫والتكاتك ‪-‬إلا قلَّة قليلة‪-‬‬
   ‫فقراء في زمن كل من فيه‬          ‫إحساس عام مهيمن بالقهر‬             ‫وما توفره من خطابات‬
   ‫أغنياء‪ .‬الثاني‪ ،‬نحن فقراء‬          ‫وبقلَّة الاعتبار‪ .‬إحساس‬            ‫تحميهم من الحسد‪.‬‬
 ‫لأ َّن المجتمع من حولنا «كلُّه‬     ‫أ َّنهم في مكان لا يليق بهم‬
‫جزم» لم ينصفنا ولم يحسن‬           ‫وأ َّنهم ضحايا «سوء توزيع‬      ‫واعتبرت «علا حافظ» الغياب‬
   ‫إلينا‪ .‬في الحالتين لا يزال‬       ‫أقدار»‪ ،‬ولا يميز أحد ممن‬     ‫النسبي للتعبيرات السياسية‬
                                   ‫يستعملون حافلاتهم منهم‬        ‫عن خطابات التكاتك‪ ،‬مؤش ًرا‬
     ‫الإحساس بالغبن وظلم‬              ‫موهبة أو جهد أو تعب‪.‬‬       ‫على غياب الفاعلية السياسية‪،‬‬
      ‫المجتمع ماث ًل حاض ًرا‪.‬‬      ‫بعضهم من ح ِّقه أن يشعر‬       ‫وتنامي السلبية‪ ،‬وانتشار ما‬
  ‫والملاحظة التي أشار إليها‬      ‫هذا الشعور‪ .‬بعضهم لا أكثر‪.‬‬      ‫أطلقت عليه الفراغ السياسي‪،‬‬
 ‫«بهاء مزيد» والتي تعبر عن‬         ‫لك َّن هذا الشعور لا تخطئه‬    ‫وتم استبدال ذلك بالتعبيرات‬
‫تنامي خطاب المظلومية‪ ،‬يبدو‬
 ‫في رأي مرتبط بالفجوة بين‬             ‫عين تراقبهم أو تنشغل‬                ‫المنقولة من الأغاني‬
‫السياسي والاجتماعي‪ ،‬التي‬            ‫بأحوالهم‪ .‬وسوف تسمع‬             ‫والمسلسلات الدرامية‪ ،‬أو‬
  ‫أشرت إليها ساب ًقا‪ ،‬كما أن‬       ‫وأنت إلى جوارهم «غ َّدار يا‬      ‫المقولات الشعبية المتداولة‬
 ‫اتساع الفجوات الاقتصادية‬           ‫زمن» و»ظلموني النَّاس»‪،‬‬
                                                                           ‫على ألسنة العوام‪.‬‬
                                                                 ‫ولعل مثل هذه النتائج‪ ،‬تدعو‬

                                                                     ‫إلى تأمل الفجوة الكبيرة‬
                                                                  ‫التي صارت بين الاجتماعي‬
                                                                 ‫والسياسي‪ ،‬وكأن الاجتماعي‬
                                                                  ‫دو ًما محكو ًما بإدارة تطوره‬
                                                                   ‫ومساراته وخطاباته بعي ًدا‬

                                                                    ‫عن السياسي‪ ،‬بالرغم من‬
                                                                       ‫التشابك والتداخل على‬

                                                                 ‫أرض الواقع‪ ،‬فالاجتماعي لا‬
                                                                    ‫يستطيع أن يستقيم بدون‬
                                                                      ‫السياسي‪ ،‬وهذا الأخير‬
                                                                      ‫لا يتطور وينضج بدون‬
                                                                                 ‫الاجتماعي‪.‬‬

                                                                 ‫وأختتم هذا الجزء من المقال‪،‬‬
                                                                 ‫ببعض النصوص المنقولة من‬

                                                                   ‫على خلفيات بعض التكاتك‪،‬‬
                                                                 ‫وقدم لها «بهاء مزيد» تحلي ًل‬
                                                                 ‫لغو ًّيا واجتماعيًّا متمي ًزا‪ ،‬على‬
   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198