Page 207 - merit 46 oct 2022
P. 207

‫‪205‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫بيني وبين الحرية التي كنت‬          ‫تفضل الذكور على الإناث‬            ‫الاندفاع غلب على صوت‬
               ‫أعشقها”(‪.)10‬‬      ‫وكيف أن هذا التفضيل كان‬             ‫العقل فكانت تلك النتائج‬
                                ‫يشعرها بآثار نفسية كبيرة‪.‬‬        ‫السيئة‪ ..‬وهذا هو الفارق بين‬
‫وبتقدمها في الخبرات تتعرف‬
‫على الحياة بشكل أكثر عم ًقا‪،‬‬       ‫وليس غريبًا أن يأتي هذا‬                       ‫الرجال”(‪.)7‬‬
                                ‫التفضيل من النساء أنفسهن‪،‬‬                  ‫واهتمامها بتدوين‬
     ‫مدركة أن النساء يمكن‬                                             ‫الاستشهادات الشفوية‬
   ‫أن يكن أفضل من الرجال‬           ‫والدتها وزوجة أبيها التي‬          ‫سواء التي لها أو لغيرها‬
   ‫بعطائهن وكفاءتهن‪ ،‬وهي‬          ‫كانت تسميها الأم الكبيرة‪،‬‬           ‫وكذلك عنايتها بإدخال‬
   ‫القائلة‪“ :‬إن المرأة الفاضلة‬    ‫وكذلك جدتها‪ ،‬اللواتي كن‬            ‫الكتب الرسمية والمقالات‬
‫تستطيع أن تتساوى بالرجل‬           ‫يشعرنها أن الأنثى أقل من‬        ‫المنشورة والبيانات الحزبية‬
                                 ‫الذكر‪ ،‬ذلك أن هذا التفضيل‬             ‫هو الذي جعل ذاكرتها‬
            ‫إن لم تفقه”(‪.)11‬‬                                            ‫ذاكرة مؤرشفة‪ ،‬فيها‬
‫ولا تخلو مذكراتها من بعض‬               ‫هو جزء من الوصاية‬               ‫الفعل الذاكراتي يجمع‬
                                  ‫الذكورية التي جعلت المرأة‬          ‫بين الأرشيف والشهادة‬
  ‫الحكايات التي تسردها إما‬        ‫منحازة للرجل بشكل غير‬              ‫بوصف الأرشيف كتابة‬
    ‫لتوعية المرأة بها ولتكون‬      ‫واع‪ ،‬مؤيدة سطوته عليها‪.‬‬        ‫مقروءة‪ ،‬تخزن في الأرشيف‬
                                                                  ‫كمحفوظات ورقية‪ ،‬وهو ما‬
‫على دراية بما حولها كحكاية‬           ‫هكذا كانت الطفلة هدى‬           ‫يقوم به المؤرخ المحترف‪،‬‬
       ‫النسوة اللواتي يدرن‬          ‫شعراوي تتقبل بأريحية‬             ‫بينما الشهادة شفهية في‬
                                 ‫هذا التفضيل‪ ،‬فحين سمعت‬           ‫الأصل أي أننا نصغي إليها‬
     ‫على البيوت وهن يحملن‬           ‫أن أخاها هو الذي يحمل‬          ‫ونسمعها في لحظة الدخول‬
   ‫بضاعتهن على رؤوسهن‪.‬‬               ‫اسم والدها قالت‪“ :‬هذا‬                ‫في كتابة التاريخ(‪.)8‬‬
 ‫وقد انتقدتهن لأنهن يسعين‬           ‫الجواب الصريح المعقول‬              ‫ولا يعني هذا أن هدى‬
    ‫في خراب البيوت الكبيرة‬       ‫رد إل َّي رشدي ولم أتألم من‬      ‫شعراوي استعملت التوثيق‬
   ‫وقالت في خاتمة الحكاية‪:‬‬         ‫سماعه‪ ،‬بل نزل على قلبي‬             ‫كغاية بحد ذاتها؛ وإنما‬
                                   ‫بر ًدا وسلا ًما وزادني حبًّا‬      ‫هو وسيلة بها سعت إلى‬
     ‫“لعل هذه القصة تكون‬            ‫لأخي الذي سيخلِّد اسم‬             ‫إنصاف والدها محتجة‬
    ‫در ًسا للسيدات والفتيات‬      ‫أبي الحبيب ويحل محله في‬         ‫بالكتب والمقالات والشهادات‬
  ‫فيأخذن حذرهن من أمثال‬                                          ‫الشفاهية لتدعم ردودها على‬
                                                ‫العائلة”(‪.)9‬‬       ‫المزاعم التي شككت بنزاهة‬
       ‫هؤلاء النسوة اللواتي‬        ‫ولم يكن التمييز الجنسي‬            ‫أبيها‪ ،‬وللبحث أي ًضا عن‬
‫يترددن على البيوت ويمشين‬           ‫وحده الذي أقلقها بل كان‬         ‫المسؤول الأول الذي خاطر‬
                                   ‫يقلقها أي ًضا تحريم العمل‬     ‫بمستقبل البلاد ومدى حقيقة‬
       ‫بالشر بين أهلها”(‪.)12‬‬    ‫على المرأة‪ ،‬فحين سمعت أحد‬             ‫الثورة العرابية‪ ..‬ولعلها‬
‫أو تسرد هذه الحكايات لأجل‬       ‫أفراد أسرتها ينفي أن تكون‬        ‫بعملها هذا قد صححت جانبًا‬
                                    ‫هدى محامية في يوم من‬          ‫من جوانب التاريخ الحديث‪.‬‬
  ‫التدليل على واقع مأساوي‬         ‫الأيام‪ ،‬عقبت بالقول‪“ :‬وقد‬      ‫ومن ذكرياتها التي بها دللت‬
‫عاشته هي وتعيشه معها كل‬          ‫أثرت هذه الصدمة الجديدة‬         ‫على وعيها النسوي ما دونته‬
 ‫امرأة تتزوج وهي في الثالثة‬         ‫في نفسي‪ ..‬وصرت أكره‬               ‫عن التربية العربية التي‬
                                  ‫أنوثتي لأنها حرمتني متعة‬
    ‫عشرة من عمرها ويكون‬             ‫التعليم وممارسة الحياة‬
   ‫زوجها رج ًل متزو ًجا من‬        ‫الرياضية التي كنت أحبها‪،‬‬
  ‫امرأة أخرى وله منها أولاد‬        ‫كما كانت تحول بعد ذلك‬

                    ‫وبنات‪.‬‬
   ‫وقد عبرت هدى شعراوي‬
    ‫عن هذه المأساة بأسلوب‬
  ‫شاعري عكس عمق الشرخ‬
  ‫النفسي الذي يخلفه الزواج‬
   ‫المبكر وتعدد الزوجات في‬
   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212