Page 205 - merit 41- may 2022
P. 205

‫الملف الثقـافي ‪2 0 3‬‬

  ‫والمناقشة‪ ،‬وهو يقع عندي‬           ‫بأصحاب الديانات الأخرى‬             ‫كيانه وقداسته‪ ،‬وفي الوقت‬
  ‫في دائرة المجتهدين‪ ،‬ومهمة‬           ‫وما مرت به تلك العلاقة‬             ‫نفسه يرفع الالتباس عن‬
   ‫المجتهد ألا يقول للناس ما‬                                            ‫المفاهيم المطلوب تحديدها‪،‬‬
‫تعرف؛ وإلا ما فائدة المعرفة؟‬        ‫من متغيرات فرضها ظرف‬                 ‫ولكي يبسط ما أجمل في‬
                                   ‫الواقع وتطور الدعوة‪ ،‬وأدى‬              ‫هذه المسألة ينبه إلى أن‬
     ‫وغاية المجتهد الحقيقية‬                                            ‫اجتزاء أي نص من القرآن‬
  ‫وإن أوردته المهالك لا جمع‬          ‫إليها وأفرزها‪ ،‬وعلاقة كل‬           ‫ونزعه من سياقه القرآني‬
‫الأنصار‪ .‬حاول الدكتور سيد‬         ‫هذا بالمستوى المعرفي لجزيرة‬
  ‫القمني أن يبحث في جذور‬                                               ‫أو إغفال اللحظة التاريخية‬
                                                     ‫العرب»‪.‬‬           ‫التي خاطبها أو كانت سببًا‬
    ‫المشاكل التي تعاني منها‬       ‫هذا‪ ،‬وهو لا يفتأ يكرر إيمانه‬
   ‫الثقافة العربية الإسلامية‬                                             ‫في نزوله تحقي ًقا لمصلحة‬
    ‫الآن فعاد للتاريخ‪ ،‬وأعاد‬        ‫بأهمية التراث في تطور أي‬          ‫أو دع ًما لأي موقف آني هو‬
    ‫طرح الأسئلة من جديد‪:‬‬              ‫أمة بوصفه كنز معارفها‬          ‫السبب الجوهري في الالتباس‬
    ‫هل نحن كبشر نستطيع‬
  ‫أن نواصل ونأخذ بأسباب‬             ‫وخبراتها‪ ،‬شريطة ألا يطبع‬              ‫القائم بين مفاهيم الأمة‬
   ‫التطور؟ وما السبيل؟ هل‬           ‫الشخصية الثقافية بالثبوت‬         ‫والقومية والمواطنة‪ ،‬ثم يضع‬
   ‫الدين طقس أم عمل فاعل‬
    ‫في التاريخ؟ هل النهوض‬             ‫والجمود‪ ،‬وأن يظل فاع ًل‬           ‫خطة عمل تتمثل في «ربط‬
     ‫في حاجة إلى المثاليين أم‬        ‫ومنفع ًل‪ ،‬لأن‪« :‬الناس هم‬           ‫الأحداث بتصنيف الآيات‪،‬‬
  ‫يمكن تحقيقه ببشر يخطئ‬           ‫صناع ذلك التراث‪ ،‬يصوغونه‬             ‫والمكي منها والمدني مرتبط‬
‫ويصيب؟ هل الإسلام خندق‬               ‫وفق ظروفهم وحاجاتهم‪،‬‬             ‫بظرف كلتا المدينتين وواقع‬
   ‫أم عالم رحب يسع الناس‬            ‫حتى لو كان دينًا‪ ،‬فالوحي‬             ‫البشر فيهما‪ ،‬مع دراسة‬
 ‫جميعا؟ هل التاريخ عار على‬         ‫القرآني جاء مفر ًقا ومنج ًما‪،‬‬       ‫وافية لعلاقة النبي وأتباعه‬
   ‫أهله أم مطهر أم فردوس‬              ‫ناس ًخا ومنسو ًخا‪ ،‬وبدل‬
‫مفقود؟ وهل التراث جامد أم‬         ‫ومحى وأثبت؛ تب ًعا للمتغيرات‬
‫متطور؟ أيبدأ المؤرخ مما كان‬         ‫ولمصالح الناس خلال زمن‬
                                  ‫تواتر الوحي‪ ،‬ثم ظل كمأثور‬
           ‫أم مما هو كائن؟‬          ‫ديني حسب فهم الناس له‪،‬‬
  ‫وأخي ًرا لا أجد ما يسعفني‬       ‫أو على الأدق فهم كل فرقة أو‬
 ‫من ختام إلا ما نقله أستاذنا‬         ‫مذهب أو طبقة اجتماعية»‪.‬‬
                                   ‫وبعد‪ ،‬فإن كان لي من تعليق‬
    ‫الدكتور أحمد شلبي عن‬          ‫على هذا العرض السريع لأهم‬
‫إدوارد كار في موسوعته عن‬           ‫الأفكار التي وجهت مشروع‬
 ‫التاريخ الإسلامي عن مهمة‬            ‫الدكتور سيد القمني‪ ،‬رغم‬
                                      ‫ضيق المقام الذي لا أزعم‬
  ‫المؤرخ‪« :‬إن المؤرخ لا يتبع‬          ‫فيه أنني قادر على أناقش‬
   ‫الماضي بل الحاضر‪ ،‬وإن‬
‫مهمة المؤرخ ليست أن يعشق‬                 ‫كل أفكاره‪ ،‬أقول إنني‬
   ‫الماضي أو يتحرر منه‪ ،‬بل‬         ‫‪-‬فيما قرأت له من كتب‪ -‬لا‬
  ‫أن ُيلِ َّم به ويفهمه باعتباره‬  ‫أستطيع أن أتهمه بسوء النية‪،‬‬

      ‫مفتا ًحا لفهم الحاضر»‬            ‫أو أصف قلمه بالمأجور؛‬
                                    ‫فقد قضى الرجل عمره كله‬
                                  ‫باحثًا‪ ،‬وخاض معارك ضارية‬

                                       ‫عما رآها صوا ًبا‪ ،‬وترك‬
                                    ‫إنتا ًجا علميًّا جدي ًرا بالدرس‬
   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210