Page 211 - merit 41- may 2022
P. 211

‫من أدبيات المنهج العلمي تحديد‬                              ‫اليمن‪ ،‬وفي تأسيس تجارة‬
‫المفاهيم‪ ،‬ونعني بها الألفاظ الواردة‪،‬‬                             ‫مركزية كانت تستقبل‬
 ‫ورود المصطلحات في البحث أو التي‬                                ‫القوافل من الشام ومن‬
‫اتفق عليها الدارسون في هذا المجال‬                                               ‫اليمن‪.‬‬
                                                                  ‫فمكة كانت قلب إقليم‬
   ‫أو ذاك‪ .‬فالقمني مثل طه حسين‪،‬‬                                   ‫الحجاز ومقصد نجد‬
 ‫ومحمود إسماعيل‪ ،‬تطرقوا إلى درس‬
 ‫التراث العربي في اشتجاره بثقافات‬                             ‫وتهامة في الشمال‪ ،‬وهد ًفا‬
‫الأمم والحضارات التي عاصرته‪ .‬وفرض‬                             ‫لليمنيين في الجنوب الذين‬
‫عليهم هذا الدرس أن يعينوا مفهو ًما‬                           ‫طمحوا إلى الاستيلاء عليها‬
‫ثقاف ًّيا وتاريخ ًّيا للعرب‪ :‬من هم؟ ومتى‬
                                                               ‫وجعلها إقلي ًما من أقاليم‬
            ‫كان وجودهم؟‬                                     ‫الإمبراطورية الفارسية التي‬
                                                           ‫سيطرت على اليمن حينًا‪ ،‬كما‬
   ‫بعد حادثين مهمين هما‬     ‫تاريخيًّا واجتماعيًّا لا مبرر‬
  ‫انهيار سد مأرب والغزو‬         ‫له بين مراحل التاريخ‬         ‫سيطر عليه الأحباش حينًا‬
                                                            ‫آخر‪ ،‬وهم الموالون للرومان‬
    ‫الحبشي لليمن‪ .‬أضف‬         ‫الواحد‪ ،‬فالقمني يرى أن‬
    ‫إلى هذا «أن كل الدلائل‬  ‫العرب في هذا الطور كانوا‬           ‫المسيحيين‪ ،‬وبذلك يكون‬
   ‫كانت تشير إلى أن شبه‬                                     ‫العرب الذين يعنيهم القمني‬
                               ‫مؤهلين للتوحد‪ ،‬فكيف‬
      ‫جزيرة العرب كانت‬          ‫يكون هذا الطور منبت‬             ‫هم عرب الشمال الذين‬
  ‫موحدة في مملكة واحدة‬         ‫الصلات عما سبقه من‬          ‫تتزعمهم مكة‪ ،‬وتكون قريش‬
 ‫أثناء القرون الأربعة التي‬   ‫أطوار كانت بفعل التطور‬
   ‫سبقت الإسلام‪ ،‬ويغلب‬      ‫الكمي والكيفي قاعدة لهذا‬           ‫هي القبيلة المركزية التي‬
 ‫الظن أن العربية الفصحى‬                                     ‫يلتف حولها مجتمع القبائل‬
    ‫اس ُتكملت أثناء القرون‬            ‫التطور الأخير؟‬
 ‫الأولى بعد الميلاد بإضافة‬    ‫ويؤكد الثقاة من العلماء‬            ‫الأخرى‪ ،‬وتكون وحدة‬
                                                            ‫القبائل مدخ ًل لوحدة العرب‬
       ‫عناصر من العربية‬          ‫استحالة رسم حدود‬          ‫التي تؤهل لقيام دولتهم على‬
  ‫الجنوبية عادلت المؤثرات‬   ‫فاصلة بين القبائل اليمنية‬        ‫أساس من التوحيد الديني‪،‬‬
‫الآرامية الآتية من الشمال»‬
 ‫انظر‪ ،‬شكري عياد‪ ،‬ديوان‬        ‫(القحطانية والحميرية)‬            ‫الذي يمثل التطور الذي‬
   ‫العرب من وحدة القبيلة‬     ‫وتلك الشمالية (العدنانية‬         ‫انتهى إليه التعدد الوثني‪،‬‬

     ‫إلى وحدة الأمة‪ ،‬بحث‬          ‫والمعدية) قبل وبعد‬             ‫وعماد هذا التوحيد هو‬
  ‫منشور في كتاب «الأدب‬          ‫الهجرات الجنوبية إلى‬       ‫الحنيفية الإبراهيمية‪ .‬فإلى أي‬
                                                            ‫مدى كان هذا التصور وافيًا‬
                                  ‫الشمال في منتصف‬
                              ‫القرن الخامس الميلادي‪،‬‬                         ‫بالقصد؟‬
                                                           ‫فالعرب القرشيون ليسوا كل‬

                                                              ‫العرب‪ ،‬فهم جزء كبير من‬
                                                             ‫كل أكبر‪ .‬وهذا الكل الأكبر‬

                                                               ‫‪-‬وهم عرب الشمال‪ -‬لا‬
                                                             ‫يصح أن نطلق عليه وحده‪،‬‬

                                                               ‫لفظ العرب‪ .‬وبداية الدور‬
                                                              ‫القرشي تعني أن الوجود‬
                                                            ‫التاريخي للعرب أسبق منه‪،‬‬
                                                            ‫وأن هذه البداية تمثل فص ًل‬
   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216