Page 213 - merit 41- may 2022
P. 213

‫الملف الثقـافي ‪2 1 1‬‬

‫التاريخي‪ .‬فقد ذكر القمني‬      ‫ولكن القمني عندما استند‬            ‫ولا قدم أدلة تاريخية‬
  ‫أن محم ًدا القرشي تزوج‬        ‫إلى نصوص بعينها‪ ،‬لم‬            ‫اجتماعية تؤيد ما سعى‬
    ‫خديجة تحقي ًقا لتكتيك‬
  ‫قيام الدولة‪ ،‬وهو تدعيم‬    ‫يدرك أن لغة هذه النصوص‬               ‫إليه‪ .‬ولكنه اطمأن إلى‬
  ‫صلات النسب‪ ،‬وتعضيد‬             ‫ليست من الجاهلية في‬        ‫الوسط البارد المتردد‪ .‬فطه‬
 ‫نفوذ المال‪ ،‬مع أنه لم يكن‬                                 ‫حسين مث ًل حين كتب بحثه‬
                              ‫شيء‪ ،‬وليست ذات نسب‬           ‫الشهير «في الشعر الجاهلي»‬
‫ذا مال وفير يكافئ ما كان‬         ‫قريب أو بعيد من عبد‬
‫عند خديجة من مال‪ .‬وهذا‬                                         ‫انطلق من نصوص بين‬
                            ‫المطلب الهاشمي‪ .‬فقول مثل‬            ‫أيدينا جاءت إلينا عبر‬
   ‫ما دعا ولي أمر خديجة‬       ‫«إذا أراد الله إنشاء دولة‬
  ‫إلى رفض هذا الزواج مع‬         ‫خلق لها أمثال هؤلاء»‬       ‫التواتر التاريخي فهي مثبتة‬
  ‫أن خديجة ثيِّب‪ .‬وحضر‬       ‫المنسوب لعبد المطلب‪ ،‬خا ٍل‬     ‫تمثل الشعر الجاهلي‪ .‬وقال‬
                             ‫من الح ِّس اللغوي الجاهليِّ‪.‬‬   ‫لنا إنها لا تمثل العرب قبل‬
    ‫حفل خطبتها مخمو ًرا‬      ‫فكلمة «الدولة» كلمة غريبة‬       ‫الإسلام‪ ،‬ولا تمثل الحياة‬
 ‫فغاب عن الوعي‪ ،‬ولما ثاب‬         ‫عن هذا الزمن الذي لم‬
                              ‫يعرف الدولة كما نعرفها‪،‬‬        ‫الجاهلية في شيء‪ ،‬ولكنه‬
   ‫إلى وعيه‪ ،‬أنكر أمر عقد‬                                     ‫لم يكتف بما ادعى وراح‬
  ‫الزواج‪ .‬والحقيقة أن ولي‬   ‫وكما يريد القمني أن يقول‪،‬‬       ‫يقدم الأدلة والبراهين التي‬
 ‫أمر خديجة ‪-‬وهو أبوها‪-‬‬           ‫وكما ترجم حفيد عبد‬
                                                                ‫تؤيد دعواه‪ ،‬وتنفي ما‬
      ‫كان قد مات ومحمد‬        ‫المطلب حلم جده‪ .‬ومع أن‬       ‫استقر في وعينا من قبل عن‬
   ‫عمره أربعة عشر عا ًما‪،‬‬   ‫كلمة إنشاء مصدر معروف‬          ‫الشعر الجاهلي وعن العرب‬
   ‫وأكد الواقدي والطبري‬      ‫للفعل أنشأ‪ ،‬فإن استعماله‬
   ‫والسهلي أن عمها عمرو‬      ‫في هذا السياق غريب أي ًضا‬         ‫في الجاهلية‪ .‬فقدم أدلة‬
   ‫بن أسد هو الذي حضر‬                                       ‫نصيَّة‪ ،‬وأدلة لغوية‪ ،‬وأدلة‬
‫عقد قرانها وباركه‪ .‬وجرى‬           ‫عن زمنه كغربة دلالة‬       ‫تاريخية‪ .‬فهل فعل القمني‬
                            ‫الدولة‪ .‬والصياغة الشرطية‬
      ‫القمني وراء التأويل‬                                       ‫مثلما فعل طه حسين؟‬
     ‫المغلوط لزواج محمد‬             ‫صياغة غير مألوفة‬          ‫لم يكن عند القمني ح ٌّس‬
  ‫من خديجة وهو تعضيد‬           ‫ونسبتها إلى الله أمر فيه‬    ‫تاريخ ٌّي يدفعه للشك في كل‬
‫الأواصر والتحالفات‪ .‬فلما‬    ‫شك أي ًضا‪ .‬ولذلك كنا نعتقد‬     ‫النصوص التي اعتمد عليها‬
    ‫تزوج خديجة انصرف‬            ‫أن القمني الذي أراد أن‬       ‫مثلما كان عند طه حسين‬
   ‫عن السعي وراء الرزق‬       ‫يكتشف الغريب والعجيب‪،‬‬         ‫حس تاريخي نافذ‪ .‬لقد قرأ‬
     ‫إلى التفكير في تحقيق‬   ‫لن يفوته الالتفات إلى غرابة‬      ‫طه حسين تاريخ العرب‪،‬‬
   ‫طموحات بني هاشم في‬
 ‫النبوة وقيام الدولة‪ .‬وهو‬        ‫هذا النص وإلى دلالاته‬          ‫وشعر العرب‪ ،‬وأدرك‬
    ‫تأويل مطروح بالفعل‬        ‫وإلى مصدره ونسبته إلى‬             ‫أن لكل عصر لغته من‬
    ‫ولكن متى كان البحث‬                                       ‫حيث المفردات والتراكيب‬
    ‫العلمي تسلي ًما بما هو‬                    ‫صاحبه‪.‬‬            ‫والأساليب والمجازات‬
                                    ‫وإذا كان القمني قد‬      ‫ورؤية العالم‪ ،‬ورأى أن ما‬
                ‫مطروح؟‬          ‫افتقر إلى الحس اللغوي‬         ‫يقرأه من الشعر الجاهلي‬
                             ‫التاريخي‪ ،‬فإنه افتقر أي ًضا‬     ‫أبعد عن لغة هذا العصر‪.‬‬
                                ‫إلى الإحساس بالصدق‬
   208   209   210   211   212   213   214   215   216   217   218