Page 206 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 206

‫العـدد ‪25‬‬           ‫‪204‬‬

                                                              ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬      ‫النهضة الحديثة بوضعها‬
                                                                            ‫الكنيسة ولاهوتها في إطارها‬
    ‫السلف‪ ،‬وخنق الحاضر‬          ‫(عالمانية) نسبة إلى العالم‬                  ‫اللازم؛ فاستخلصت المجتمع‬
     ‫والمستقبل في صندوق‬        ‫المضاد لله وللكتاب المقدس‪.‬‬
    ‫صدئ ملتزمين بحرفية‬                                                         ‫المدني والدولة من براثن‬
     ‫النص دون التبصر في‬            ‫ثم أشاع استخدام هذا‬                      ‫قدسية التصورات الكنيسية‬
 ‫روحه؛ دعك من تبعية رأي‬      ‫التعريف ليصف بقية المثقفين‬                   ‫التي فرضت الرجعية والجمود‬
    ‫الشارع لحركات كبرى‬
  ‫ادعت تبنيها بعث صحوة‬          ‫والكتاب الذين نهجوا نهج‬                        ‫لعدة قرون‪ .‬وعندما ساد‬
‫إسلامية كبرى بحدة ليست‬         ‫الحضارة الغربية الحديثة‪،‬‬                   ‫الفكر الغربي وظهرت آثار المد‬
     ‫غير مألوفة على طباع‬       ‫حيث صار الإسلام الدولة‬
 ‫الرجل الشرقي عمو ًما‪ ،‬أما‬     ‫لا تديرها الشريعة؛ وهكذا‬                      ‫الحديث في الفلسفة وأنماط‬
 ‫حركة الوسطية الإسلامية‬         ‫يصير الإسلام مجرد دين‬                     ‫التفكير والتعبير‪ ،‬برز مصطلح‬
    ‫فمارست دور المشاهد‪،‬‬       ‫كالمسيحية‪ ،‬يعطي ما لقيصر‬
  ‫فمن ناحية اكتفت بالتنبيه‬   ‫لقيصر وما لله لله؛ بينما يرى‬                       ‫(العلمانيون) في المجتمع‬
   ‫من أخطار التغريب دون‬          ‫الإسلاميون أن المسيحية‬                        ‫الإسلامي بعد شيوع‬
‫دراسة أو تنفيذ‪ ،‬ومن ناحية‬                                                    ‫هيمنة الاستعمار‬
  ‫أخرى لم تستطع الوقوف‬            ‫يمكنها الاكتفاء بدورها‬
 ‫أمام أطراف الغلو والتشدد‬        ‫في جدران الكنائس‪ ،‬لكن‬                           ‫الغربي على‬
 ‫في ظل إثارة سياسية عامة‬      ‫الإسلام أشمل وأعم وله من‬                      ‫البلدان العربية‬
  ‫سممت جو الحوار‪ ،‬فض ًل‬       ‫التاريخ الحضاري ما يرفعه‬                     ‫والشرقية؛ ولعل‬
‫عن الالتزام التنظيمي لأتباع‬       ‫فوق مناهج الاستشراق‬                        ‫أول من أدخل‬
‫هذه الحركاتن والذي قضى‬        ‫ومكونات الخيار الحضاري‬                      ‫هذا المصطلح علينا‬
    ‫على أدنى فرصة لمرونة‬      ‫الغربي‪ ،‬وأن العلماني المسلم‬
 ‫التفاهم أو لخروج عناصر‬        ‫أخطأ في اجتهاده‪ ،‬وحسبوا‬                         ‫هو إلياس بقطر‬
    ‫مستنيرة؛ ذات الالتزام‬         ‫أن الخيار الإسلامي في‬                   ‫المصري‪ ،‬مترجم الحملة‬
 ‫الحزبي الذي كان قي ًدا على‬   ‫شكله المملوكي العثماني هو‬                   ‫الفرنسية وكتبها‬
    ‫الطرف العلماني أي ًضا‪،‬‬     ‫الاحتمال الحقيقي والوحيد‬
    ‫فلم يتسع أفق الاجتهاد‬      ‫حر ًصا على ضمان النهضة‬
‫وتبادل الآراء وقبول الآخر‪،‬‬    ‫الإسلامية‪ ،‬لكنهم ‪-‬اللهم إلا‬
   ‫إضافة إلى وجود شعور‬          ‫مدرسة الإحياء والتجديد‬
‫محض بالدونية لدى الطرف‬        ‫على يد جمال الدين الأفغاني‬
   ‫العلماني بالنسبة للآخر‬        ‫والإمام محمد عبده‪ -‬لم‬
 ‫الغربي الذي يمارس دوره‬        ‫يقدموا نموذ ًجا حضار ًّيا أو‬
 ‫اللا شعوري في الاستعلاء‬        ‫رؤية بديلة‪ ،‬بل استخدموا‬
  ‫على المدرسة الإسلامية في‬      ‫لغة عنيفة خشنة‪ ،‬وبرزت‬
                              ‫بينهم فضائل تميزت بالغلو‬
                ‫التحضر‪.‬‬          ‫والجمود‪ ،‬ودوائر عقيمة‬
         ‫هذا التضارب اللا‬        ‫في المؤسسات الإسلامية‬
   ‫موضوعي الذي انسحب‬             ‫التقليدية‪ ،‬وحلقات الذكر‬
  ‫بوعي أو بدون وبأشكال‬        ‫والخرافة الصوفية‪ ،‬وتجاهل‬
     ‫مباشرة وغير مباشرة‬         ‫أكثرهم سنة الله في التغير‬
                               ‫والتطور والتنوع متوهمين‬
                                 ‫قدسية إلهية على تجارب‬

                             ‫جمال الدين الأفغاني‬
   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211