Page 211 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 211
209 الملف الثقـافي
والروح .روى مسلم عن الحامي -التنويري -يريد أن هبة دنيوية يراها هيّنة ،حتى
عبد الله بن عمرو قال :قال يدفع بإحسانه إتاوة تكفر لو كانت كن ًزا أو تحري ًرا لرقبة
رسول الله صلى الله عليه
عنه آلام السهر والبحث التي من غل عبودية ،إذا قيست
وسلم« :إذا ُفتحت عليكم تسري في الروح سريان بالمقابل الذي سيكسبه صاحب
خزائن فارس والروم ،أي الدم في البدن؛ والمحسن
قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن إليه -الأقلية المقهورة الإحسان (الثوري) ،وقد
بن عوف :نكون كما أمرنا يكمن سر المفارقة الإحسانية
الله تعالى ،فقال صلى الله والأغلبية الصامتة -ليس في في تأويل هذا المقابل الملفوف
عليه وسلم :بل تتنافسون حاجة للاستعانة بالحدس
وتتحاسدون ،ثم تتدابرون لكي يدرك محنة الشريك بالستور ،وعندما يفترض
وتتباغضون ،ثم تنطلقون حكيم مثل (سيكا) وجود عزاء
فيستنكر الاعتراف بإحسان لصاحب الإحسان في الارتياح
إلى مساكين المهاجرين صاحب الإحسان ،لأنه على الغامض الذي يشعره المحسن
فتحملون بعضهم على رقاب يقين بأنه هو من ح ّرر ،بأنه يغنيه عن اعتراف المحسن إليه
بعض» .وأخرج الترمذي عن
هو أي ًضا من تح ّرر! هذا بالإحسان ،فإن حكي ًما آخر
ابن عمر قال :قال رسول الكلام ينطبق بحذافيره على هو (إمرسون) يفترض العكس
الله صلى الله عليه وسلم: نظرة الأوصياء على الأديان
«إذا مشت أمتي المُطيطى عندما يتحدث عن استحقاق
(مشية التبختر) ،وخ َدمتها في المجتمع الحديث الذي صاحب الإحسان للصفعة
أبناء الملوك فارس والروم تحرر على يد غيرهم هم فيا من يد المحسن إليه مقابل
ُسلط شرارها على خيارها»، لغالب من القوى اليسارية إحسانه .وهو جدل لن يجدي
وهذا ما تنبأ به الرسول في إماطة اللثام عن المقابل الذي
الكريم فأفلت الزمام من الليبرالية -ويفترض لا يستعير غموضه من ُبعده
المتأسلمون أن هذا نصر الله الوجودي بقدر ما يستعيرها
أيدي المؤمنين وضاعت
الخلافة بعد ثلاثين عا ًما من المبين! -ثم تأتي دعواهم من طبيعتها الدينية.
بأن الحق والعدالة لن يأتيا قال نيتشه في (هكذا تكلم
قيامها ثم صار الحال كما زرادشت)( :من يهب دو ًما
عرفنا .وكتب الشيخ الجليل إلا بإحياء العصر الذهبي
محمد الغزالي في (الإسلام للإسلام .ولكن ما هو العصر مهدد بأن يفقد الحياء)
الذهبي هذا؟ ومتى كان؟ لقد -صاحب الإحسان -الثوري-
والاستبداد والسياسي): مضى على الدولة الإسلامية
وبعد أن كان ُحكام الإسلام حوالي ألف وأربعمائة وثلاثة
أعرف الناس به وأفقههم وثلاثون عا ًما
فيه وأحناهم على أهله وباستثناء فترة
الخلافة الرشيدة
أصبح أكثرهم حثالة تافهة كان حال المسلمون
ت ُضر ولا تنفع ،وتفسد ولا كما هو ثابت في
تصلح .والرسالات الكبرى التاريخ والتراث
في الأرض ،دينية أو مدنية، من أسوأ ما يكون،
لا يحسن القيام عليها حتى مسألة
إلا عباقرتها وفلاسفتها، تطبيق الشريعة لم
ولذلك كان انتقال الخلافة
الإسلامية من أيدي الأكفاء تحدث كما يجب
إلا في عهد الخلفاء
الراشدين بالنص