Page 207 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 207

‫‪205‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫الملاعين‪ ،‬لا لسبب سوى‬        ‫معتم ًدا على مركزية النقيض‬       ‫على أطر التعامل مع الآخر‪،‬‬
 ‫أنهم من أهل الغرب‪ ،‬وبعد‬        ‫التي لا يظهر فيها ‪-‬بعد أي‬         ‫والمنظار الذي يميز ثقافته‬
 ‫أن دق بمطرقته على المنطق‬       ‫صراع فكري‪ -‬سوى تخيل‬            ‫واتجاه وإنجاز حضاري‪ ،‬هذا‬
‫ورحابة الفكر السليم أصدر‬        ‫أيديولوجي يدعم في النهاية‬         ‫الشعور المراوغ الذي يظل‬
                               ‫التبعية المنطقية لفكرة واحدة‬      ‫مند ًّسا‪ ،‬كامنًا‪ ،‬فاع ًل‪ ،‬قرين‬
     ‫حكمه بالعداء لكل فكر‬        ‫قد لا تكون هي الأفضل في‬      ‫نوع من الفصام المعنوي الذي‬
  ‫يأتي من الخارج‪ ،‬وحشر‬         ‫ظروف أخرى‪ .‬وفي إطار هذه‬            ‫يجعل الآخر الغربي مثي ًرا‬
‫الفلاسفة العظام في زنازين‬        ‫المستويات المتناحرة تتجلى‬      ‫للإعجاب والخوف؛ الإعجاب‬
   ‫ضيقة بعد أن صنفهم في‬                                           ‫بما أنجز والاندفاع لتبني‬
‫مجموعات تناسب جرائمهم‬              ‫شواهد وغوامض كثيرة‬           ‫منهجه وتقليده دون حرص‬
                                    ‫يجب أن يأخذها المتأمل‬        ‫كبير‪ ،‬ويجعل الآخر الديني‬
                 ‫الفكرية‪.‬‬          ‫الحقيقي في الاعتبار عند‬    ‫القومي ممتلئًا للتأخر وسيطرة‬
    ‫هذا الوضع المعرفي على‬      ‫مناقشته الصراع بين الديني‬        ‫الأنا والدور القضائي‪ .‬وبين‬
     ‫مستوى أكثر رقيًّا من‬        ‫والدنيوي‪ ،‬وبين الإسلامي‬          ‫الهوى الجارف نحو الأول‬
    ‫مناخنا القسري القهري‬           ‫والعلماني حتى لا يكون‬       ‫والآليات الدفاعية ضد الثاني‬
‫يفرض علينا أن نضع المفكر‬       ‫مفهوم التحزب أحادي ال ُبعد‪،‬‬       ‫تتولد ذبذبة مفاهيم معقدة‬
 ‫الكبير مؤلف (الاستغراب)‬       ‫ح ّدي الاتجاه في ظل ممارسة‬      ‫بين النفور السلبي في مخايلة‬
‫في موضع التقييم والتحليل‪،‬‬            ‫مستمرة لأدلجة الآخر‬         ‫التحرر الأيديولوجي‪ ،‬وبين‬
‫لنعرف أية آلية قمع أجبرته‬         ‫وتشويه سمعته‪ ،‬إما بأنه‬       ‫الرغبة في الهروب من السجن‬
‫على أن يستخدم هذا المنظور‬      ‫منحرف دنيء أو خائن عميل‬         ‫الجغرافي والظرف التاريخي‪.‬‬
                               ‫أو هو رجعي بليد‪ ،‬ثم وصفه‬            ‫ولا تفارق هذه الخاصية‬
      ‫التقليدي في الإسقاط‬        ‫بالكفر والإلحاد‪ ،‬أو بالغباء‬     ‫طبيعة أخرى تقترن بالبعد‬
 ‫والتفسير‪ .‬ويرادف مفهوم‬        ‫والتعالي‪ ،‬وبالتالي الحكم عليه‬     ‫الأخلاقي والنفسي للمبدع‬
                                  ‫بإعدام عمله الثقافي ونفيه‬      ‫ومدى ارتباطه أو اعتراضه‬
     ‫القراءة للنص المقروء‪،‬‬       ‫من انتمائه الوطني وطرده‬      ‫على مجتمعه الكبير الذي يضم‬
   ‫حسب حكم المفكر الكبير‬       ‫من جنة الاعتقاد السليم؛ كما‬       ‫خصومة الفكر‪ ،‬أو جماعته‬
 ‫جابر عصفور‪ ،‬فيغدو مرآة‬           ‫فعل المفكر (حسن حنفي)‬          ‫الصغيرة التي تضم زملاء‬
    ‫للذات القارئة وذلك على‬          ‫في مؤلفة (الاستغراب)‬      ‫الاتجاه‪ ،‬أو حتى خليته الدقيقة‬
‫النحو التطبيقي الذي انتهت‬           ‫عندما تقمص شخصية‬              ‫التي تضم خلان الحماس‬
   ‫إليه قراءة نص الآخر في‬       ‫قائد استعراض ووضع كل‬           ‫المماثل والأوفياء لذات الهوى‪،‬‬
  ‫كتاب الاستغراب‪ ،‬مراد ًفا‬        ‫فلاسفة الغرب في طابور‬           ‫وأخي ًرا في حدود كيانه هو‬
  ‫نظرية المعرفة في الفلسفة‬         ‫عرض يحركهم كعرائس‬              ‫نفسه في محاوراته الذاتية‬
    ‫التقليدية‪ ،‬خصو ًصا من‬       ‫الماريونت كيفما شاء‪ ،‬وكما‬        ‫الكاشفة مستبد ًل الكوجيتو‬
   ‫حيث أشكال العلاقة بين‬          ‫حلا له‪ ،‬دون أدنى مراعاة‬       ‫الديكارتي للمعرفة الكوجيتو‬
 ‫الذات العارفة وموضوعها‬            ‫لظروف خلقت أفكارهم‪،‬‬          ‫الضد الذي يهتف‪« :‬أنا لست‬
   ‫المعروف‪ ،‬فالقراءة تومئ‬       ‫ودون أقل تميز بين الوجود‬          ‫آخر؛ إذن أنا موجود!» في‬
‫إلى الذات الفاعلة في المعرفة‪،‬‬  ‫الموضوعي لفيلسوف وآخر‪،‬‬          ‫حالة نفور سلبي ينطوي على‬
                                  ‫فأقام محكمة تفتيش على‬        ‫نزعة توحيدية‪ ،‬تجميعية‪ ،‬ذات‬
      ‫والنص هو موضوع‬              ‫صفحات كتابه واعتبر أن‬           ‫طابع قهري يناقض نفسه‬
  ‫المعرفة‪ ،‬وفعل القراءة هو‬     ‫طائفة المفكرين أمامه الأعداء‬
  ‫فعل التعرف الذي يتم في‬
‫الزمان الوجودي والتاريخي‬
  ‫من خلال الشعور‪ .‬وليس‬

      ‫النص المقروء‪ ،‬وثيقة‬
   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212