Page 210 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 210

‫نحو‪ -‬المزيد من الانغلاق‬                                   ‫العـدد ‪25‬‬                               ‫‪208‬‬
    ‫التآكل الداخليين‪ ،‬فرأينا‬
    ‫كيف أن القوى الثورية‬                                                          ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬      ‫(إسلامي) لا ينفي إسلام‬
     ‫تنزاح للخلف ويتهمش‬                                                                       ‫التيارات الأخرى‪ ،‬فأبو الحسن‬
   ‫دورها ويتق َّزم وتتلاشى‬      ‫حالة الفقدان أو استرجاع‬
‫التجارب والخبرات في مهب‬               ‫ذكرى تقليدية‪ ،‬لأن‬                                        ‫الأشعري عندما وضع كتابه‬
   ‫ريح التخلف والرغبة في‬                                                                       ‫(مقالات الإسلاميين) لم يكن‬
   ‫الجمود‪ ،‬ما قيمة التراكم‬    ‫الشخصية الثقافية والفكرية‬                                       ‫يرى أن الذين لا يقولون بهذه‬
  ‫إذن إذا لم يتحول إلى قوة‬       ‫ليست ح ًّرا على فرقة من‬
   ‫دافعة للأمام؟ لكن نكران‬       ‫الناس تزعم أنها الداعية‬                                         ‫المقالات ولا يشتغلون بهذا‬
  ‫الإحسان أصبح دلي ًل على‬                                                                         ‫اللون من ألوان الفكر‪ ،‬هم‬
                               ‫والفاهمة والعارفة والمكلفة‬                                         ‫غير مسلمين وبالتالي فإن‬
     ‫فساد طبيعة الإنسان‪،‬‬         ‫بالنصح والأحكام؛ الأمر‬                                        ‫استخدام مصطلح (إسلامي)‬
 ‫حتى أصبحنا نرى صنو ًفا‬          ‫الذي دعمته الانكسارات‬
                                 ‫الحاصلة في بلدان العالم‬                                            ‫هو استخدام سليم من‬
    ‫مجهولة السبب للتمرد‪،‬‬         ‫الثالث التي ما إن حققت‬                                        ‫الناحية العلمية‪ ،‬لكنه لا ينفي‬
‫وأنوا ًعا من نكران الإحسان‪،‬‬      ‫استقلالاتها والتي جاءت‬                                         ‫إسلام الآخرين‪ .‬لذلك يقول‬
 ‫ترتقي إلى مستوى الانتقام‬        ‫بشكل مؤسف‪ ،‬في الكثير‬                                          ‫(طه حسين) في كتابه (رحلة‬
                                                                                               ‫الربيع والصيف)؛ إن الجانب‬
  ‫من صاحب الإحسان بدل‬         ‫من نماذجها‪ ،‬بديكتاتوريات‬
    ‫الاعتراف له بالإحسان!‬     ‫مختلفة في كل شيء حتى في‬                                             ‫الأدبي من الكتب المقدسة‬
                                                                                                ‫يتوجه إلى الناس جمي ًعا‪ ،‬في‬
  ‫هذا عجيب في البداية‪ ،‬لكن‬      ‫أشكالها القمعية‪ ،‬فأجبرت‬                                         ‫كل زمان ومكان‪ ،‬وليس من‬
     ‫الكاتب إبراهيم الكوني‬     ‫هذه المجتمعات الناشئة على‬                                        ‫الضروري‪ ،‬ولا من المحتوم‪،‬‬
      ‫يتأمل التجربة فيراها‬                                                                       ‫أن تكون َح َب ًرا‪ ،‬أو قسي ًسا‪،‬‬
                                 ‫نسيان موروثها الثوري‬                                           ‫أو شي ًخا من شيوخ الأزهر‪،‬‬
‫طبيعية أقرب لروح الصفقة‪،‬‬       ‫والتفتح على آفاق المستقبل‪،‬‬                                     ‫لتقرأ في التوراة أو الإنجيل أو‬
‫فمن وجهة نظر المحسن إليه‬                                                                       ‫القرآن‪ ،‬وإنما يكفي أن تكون‬
‫(الجموع اللاهية من الأقلية‬          ‫كما هو في فكر فرانز‬                                       ‫إنسا ًنا مثق ًفا‪ ،‬له خط من الفهم‬
                              ‫فانون‪ ،‬إن المشكلة في قانون‬                                       ‫أو الذوق الفني لتقرأ في هذه‬
  ‫المضطهدة) يبدو الإحسان‬                                                                      ‫الكتب المقدسة‪ ،‬ولتجد في هذه‬
‫وثيقة عهد ينال هو بموجبها‬       ‫الثورات‪ ،‬أن الأكثر تنظي ًما‬                                   ‫القراءة لذة ومتعة وجما ًل‪ ،‬بل‬
                                ‫هو الذي يحولها نحو‪ ،‬أو‬                                         ‫ليس من الضروري‪ ،‬ولا من‬
                                ‫يغير مساراتها الجوهرية‬                                           ‫المحتوم أن تقرأ هذه الكتب‬
                              ‫‪-‬كما فعل المجلس العسكري‬                                           ‫المقدسة‪ ،‬مدفو ًعا إلى القراءة‬
                               ‫وجماعة الإخوان المسلمين‬
                               ‫في مصر‪ ،‬بل وقد يدفع بها‬                                            ‫فيها بهذا الشعور الديني؛‬
                                                                                                ‫بل تستطيع أن تنظر في هذه‬
                                                                                                 ‫الكتب نظرة خصبة منتجة‪،‬‬
                                                                                               ‫وإن لم تكن مؤمنًا ولا د َّيا ًنا‪،‬‬
                                                                                                 ‫ففي هذه الكتب جمال فني‬
                                                                                                ‫يتحدث إلى العقل الإنساني‪،‬‬
                                                                                               ‫وإلى القلب الإنساني‪ ،‬أحاديث‬
                                                                                                ‫تلائم ما اكتنفنا من الأطوار‬
                                                                                                ‫المختلفة والظروف المتباينة‪.‬‬
                                                                                                 ‫لا يتعلق الأمر هاهنا بتذكر‬
   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215