Page 166 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 166

‫العـدد ‪27‬‬                              ‫‪164‬‬

                                  ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬                               ‫حيث ارتمى هؤلاء في‬
                                                                     ‫حضن «المسألة الأوروبية»‬
       ‫مع تركيا‪ ،‬وفي الشرق‬          ‫‪-‬وقبل ترامب‪ -‬كانت تعتمد‬         ‫ومتلازماتها الثقافية‪ ،‬ودعوا‬
 ‫والجماعات المسلحة والجبهة‬           ‫على بناء النماذج المعرفية‪/‬‬
                                        ‫الثقافية‪ ،‬التي تقوم على‬         ‫إلى إلحاق الذات العربية‬
    ‫التي كانت مشتعلة أي ًضا‪.‬‬                                         ‫بالآخر الأوروبي‪ /‬الغربي‪،‬‬
  ‫لكن مصر وحف ًظا لماء الوجه‬      ‫دراسة السمات الثقافية لبلدان‬
‫وموجهة للمتغيرات‪ ،‬استعادت‬         ‫العالم‪ ،‬ووضع السيناريوهات‬           ‫باعتبار الصهيونية ممث ًل‬
 ‫بعض خطابها القديم بالعودة‬                                               ‫لتلك الذات الأوروبية‪،‬‬
                                    ‫والبدائل المقترجة معها‪ ،‬بما‬
      ‫لحل الدولتين ومرجعية‬            ‫يضمن السيادة الأمريكية‬       ‫وواحدة من تمثلات «المسألة‬
 ‫القرارات الأممية‪ ،‬في مواجهة‬                                              ‫الأوروبية»وهيمنتها‪،‬‬
‫تفجير ترامب لمستودع الهوية‬          ‫واستمرار تفوقها بأي ثمن‪،‬‬
                                   ‫إنما الذي أضافه ترامب فقط‬      ‫بمركزيتها المتعالية على حساب‬
   ‫وتناقضاته إقليميًّا‪ ،‬خاصة‬       ‫لتلك الاستراتيجية هو تفجير‬                 ‫الذوات الأخرى‪.‬‬
  ‫عندما فجر التنافس المصري‬
                                        ‫النتاقضات بشكل علني‬         ‫إذ تواكب هنا فعلان لتمرير‬
    ‫الإماراتي في بعض الملفات‬          ‫ومباشر‪ ،‬وإدراتها لصالح‬           ‫صفقة القرن؛ هما تفجير‬
                     ‫المهمة‪.‬‬         ‫تحقيق أهداف كان قد أعلن‬
                                      ‫عنها في حملته الانتخابية‪،‬‬     ‫تناقضات «مستودع الهوية»‬
    ‫ونفذ ترامب تكتيك تفجير‬         ‫والتي يبدو أنها أيضا لم تكن‬        ‫العربية سياسيًّا كنوع من‬
     ‫التناقضات وتوظيفها مع‬                                            ‫الحرب الناعمة‪ ،‬مع ظهور‬
   ‫السودان لتخضع للصفقة‪،‬‬                        ‫محض صدفة‪.‬‬               ‫خطاب الاستلاب عربيًّا‬
 ‫عبر التلويح برفعها عن قائمة‬           ‫نقصد أن التكتيكات التي‬          ‫والدعوة الثقافية الناعمة‬
  ‫الإرهاب‪ ،‬ومنحها الدعم عبر‬            ‫استخدمها ترامب و ِّظفت‬             ‫لإلحاق الذات العربية‬
    ‫ما عرف باسم «الصندوق‬            ‫لصالح تنفيذ أهداف اليمين‬
    ‫الإبراهيمي» الذي ساهمت‬                                          ‫بـ»مستودع الهوية» الغربي‬
   ‫فيه الإمارات‪ ،‬ليصل تفجير‬               ‫الأمريكي بمرجعياته‬             ‫الأوروبي‪ ،‬والانسلاخ‬
   ‫التناقضات لمداه بين اليمين‬       ‫العنصرية والدينية المتطرفة‬           ‫عنها تما ًما‪ ،‬والسير في‬
     ‫واليسار هناك‪ ،‬إذ وافقت‬
‫حكومة مفترض أنها محسوبة‬                   ‫التي تعود لـ»المسألة‬        ‫تبعية «المسألة الأوروبية»‬
   ‫على حركة الثورات العربية‬        ‫الأوروبية» ومتلازماتها وأثر‬         ‫بمتلازماتها عن «التقييم‬
                                                                     ‫المرتفع» للثقافة الأوروبية‪،‬‬
      ‫الجديدة وأقرب لليسار‬             ‫العنصر الجرماني البري‬        ‫وقيمها التاريخية التي تنظر‬
      ‫العربي‪ ،‬على التطبيع مع‬       ‫المتطرف الكامن فيها‪ ،‬ترامب‬         ‫للآخرين وقيمهم الثقافية‬

                ‫الصهيونية‪.‬‬             ‫فقط طور التكتيك ضمن‬                            ‫بدونية‪.‬‬
‫وقبل أن يرحل ترامب استطاع‬                 ‫الاستراتيجية نفسها‪.‬‬      ‫ويحق هنا للتاريخ أن يسجل‬

    ‫تفجير وتوظيف المزيد من‬        ‫وقد نفذ ترامب التكتيك ببراعة‬        ‫واحدة من أبرز التكتيكات‬
  ‫تناقضات «مستودع الهوية»‬            ‫يحسد عليها ح ًّقا‪ ،‬نفذه مع‬     ‫السياسية في القرن الجديد‪،‬‬
 ‫العربي‪ ،‬حينما رعى تصال ًحا‬           ‫مصر دولة المركز وحجر‬        ‫وهي تكتيك «تفجير تناقضات‬
   ‫بين قطر وبين دول الخليح‬            ‫الزاوية القديم‪ ،‬حين فجر‬       ‫مستودع الهوية» وتوظيفها‪،‬‬
                                    ‫لها كافة الجبهات الخارجية‬
     ‫ومصر‪ ،‬من أجل أن ُيعد‬                                             ‫التي طبقها دونالد ترامب‬
 ‫اصطفا ًفا ضد إيران ويخترع‬        ‫المحيطة بها لكي تخضع لبنود‬             ‫ببراعة في ملف تمرير‬
                                       ‫صفقة القرن‪ ،‬ولو بشكل‬
     ‫عد ًّوا جدي ًدا‪ ،‬وفي السياق‬                                      ‫صفقة القرن و»الاتفاقيات‬
      ‫نفسه أعلن «الحوثيين»‬         ‫نسبي‪ ،‬فجر لها الملف الغربي‬                    ‫الإبراهيمية»‪.‬‬
     ‫جماعة إرهابية في اليمن‪،‬‬      ‫في ليبيا‪ ،‬والملف الجنوبي الأهم‬
      ‫لينفجر التناقض السني‬                                                 ‫ولكن الحق يقال إن‬
                                      ‫مع سد النهضة والتنافس‬       ‫الاستراتيجية الأمريكية عموما‬
                                     ‫الأثيوبي القديم مع التاريخ‬
                                    ‫المصري‪ .‬وكذلك في الشمال‬
   161   162   163   164   165   166   167   168   169   170   171