Page 16 - merit 49
P. 16

‫العـدد ‪49‬‬   ‫‪14‬‬

                                                   ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

‫كنا نجد في التاريخ العام العربي والإسلامي للمرأة‬         ‫في الأغلب إلى الوثيقة‪ .‬وهذا ما يجعل كتابتها‬
‫بعض الحضور؛ فإنه في الحقيقة لا يماثل حضورها‬            ‫غير تاريخية‪ ،‬إذ لا مجال للجزم بصدق التناول‬

    ‫في التاريخ الشفاهي الشعبي والمحكي الذي فيه‬                             ‫التاريخي فيها أو بطلانه‪.‬‬
 ‫المرأة فاعلة على مستويي الحكي والتلقي وبالشكل‬        ‫لكننا إذا أخذنا النظرية التاريخية المعاصرة التي‬
                                                       ‫ترى التاريخ موصو ًفا بأنه سرد وتحبيك؛ فإن‬
       ‫الذي قد يقارب مستوى الطموح في التمركز‬         ‫الصورة ستتغير‪ ،‬وسنجد أن كل ما يكتب إبداعيًّا‬
‫والفاعلية على الصعيد الإنتاجي‪ .‬وهو ما يضع أمام‬       ‫عن شخصيات حقيقية أو ما تكتبه الشخصية عن‬
                                                    ‫نفسها هو تاريخ شأنه شأن التاريخ الرسمي وإ ْن‬
  ‫النسويين والنسويات العرب فر ًصا مهمة لتدوين‬        ‫لم يكن رهينًا بالأرشفة ولا محصو ًرا في الوثائق‪،‬‬
‫تاريخ نسوي طالما ظل شفاهيًّا مركو ًنا خارج نطاق‬       ‫والسبب أن الأرشفة والتوثيق تظلان محكومتين‬

                                ‫التاريخ الرسمي‬                            ‫أي ًضا بالاختلاق السردي‪.‬‬
                                                        ‫بمعنى أنها في الوقت الذي تؤرخ وتوثق فإنها‬
                             ‫الإحالات‪:‬‬                  ‫لا تقول لنا الذي حدث فع ًل‪ ،‬وهكذا هي السير‬
                                                   ‫والمذكرات تجمع التوثيق بالتخييل بما يجعل الكتابة‬
          ‫‪ -1‬ينظر‪ :‬التاريخ النسوي‪ ،‬يونيو هانام‪:‬‬
‫‪http//:www.history.ac.uk/makinghistory/‬‬                          ‫الإبداعية حرة في بحثها عن الحقيقة‪.‬‬
‫‪resources/articles/womens_history.html‬‬               ‫وبهذا يوصف التاريخ بعمومه الرسمي والشعبي‬
                                                     ‫الذكوري والنسوي المدون والشفاهي بأنه محكي‬
    ‫‪ -2‬ينظر‪ :‬فصول عن المرأة‪ ،‬هادي العلوي‪ ،‬دار‬       ‫التاريخ الذي أنتجه عقل إنساني استثمر إمكانيات‬
        ‫الكنوز الادبية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1996 ،1‬ص‪.69‬‬
                                                                                  ‫المتخيل التاريخي‪.‬‬
 ‫‪ -3‬ينظر‪ :‬أشهر ملكات التاريخ‪ ،‬ليديا هويت فارم‪،‬‬        ‫هنا لا بد من التأكيد أن ليس كل النساء يعترفن‬
   ‫دار الكاتب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪ .7‬وينظر‬         ‫بوجود كتابة نسوية وأدب نسوي وتاريخ نسوي‬
     ‫أيضا‪ :‬النساء الحاكمات من الجواري والملكات‪،‬‬    ‫شفاهي يجاري التاريخ الذكوري السائد‪ .‬وفي مقابل‬
      ‫يحيى وهيب الجبوري‪ ،‬دار مجدلاوي للنشر‬           ‫ذلك نجد وعيًا نسو ًّيا امتلكه رجال أدباء ناصروا‬
                   ‫والتوزيع‪ ،‬الأردن‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬     ‫النسوية فكانوا جز ًءا من التاريخ النسوي إما لأنهم‬
                                                   ‫تنازلوا عن سلطتهم أو لأنهم اعترفوا بالحيف الذي‬
 ‫‪ -4‬الاسم العربي الجريح‪ ،‬د‪.‬عبد الكبير الخطيبي‪،‬‬        ‫به كبل الرجا ُل النسا َء‪ ،‬فوثقوا لجوانب مسكوت‬
‫ترجمة محمد بنيس‪ ،‬منشورات الجمل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
                                                          ‫عنها من التاريخ النسوي‪ ،‬كما فعل ابسن في‬
                                 ‫‪ ،2009‬ص‪.19‬‬            ‫(بيت الدمية) وكذلك دكتور لورنس في (عشيق‬
    ‫‪ -5‬مجنون إلسا رواية‪ ،‬لويس أراغون‪ ،‬ترجمة‬          ‫الليدي تشارلي) والشاعر الفرنسي لويس راغون‬
      ‫سامي الجندي‪ ،‬دار الجندي للنشر والتوزيع‪،‬‬        ‫في روايته (مجنون إلسا) الذي قال‪« :‬الرجل ليس‬
    ‫دمشق‪ ،‬ط‪ ،2007 ،3‬ص‪ .24‬ورأى أن التاريخ‬              ‫سوى آلة أعدت ليدي امرأة»(‪ ،)5‬ومونترلان الذي‬
    ‫الرسمي مكتوب من قبل الغالب يقول‪« :‬إن الملك‬       ‫رأى أ َّن حماقة الرجل هي السبب وراء عجز المرأة‬
 ‫المغلوب هو دائ ًما جبان وخائن عندما يكتب الغالب‬
                                                                               ‫في نطاقها الخاص(‪.)6‬‬
                                ‫التاريخ» ص‪.22‬‬         ‫إجما ًل نقول إن التاريخ الرسمي تعامل مع المرأة‬
         ‫‪ -6‬ينظر‪ :‬المجذومات‪ ،‬من سلسلة ماريان‪،‬‬
       ‫مونترلان‪ ،‬ترجمة وتعليق جورج مصروعة‪،‬‬               ‫تعام ًل سلبيًّا يحصر الصوت المؤنث في فكرة‬
     ‫عويدات للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1987 ،1‬‬           ‫الدونية والنقصان‪ ،‬وهو ما بقي راس ًخا على مر‬
     ‫ص‪ .308‬وقد قال أي ًضا‪« :‬ليت المرأة تقول لهم‬    ‫التاريخ حار ًما المرأة من أحقية أن يكون لها تاريخها‬
     ‫اذهبوا في سبيلكم‪ ..‬فلا أمل بالفوز لمن كان له‬    ‫الخاص الذي يتعدى في موضوعاته حدود الجسد‬
                                                      ‫وسحره الإغرائي إلى الفكر وقيمه المعرفية‪ .‬وإذا‬
                   ‫مدافعون من نوعكم» ص‪.308‬‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21