Page 18 - merit 49
P. 18
العـدد 49 16
يناير ٢٠٢3
من خلالها كيف وضع (السلايمة) زمن الخطاب في منها الكاتب رواية.
مواجهة زمن القصة ،أو كيف ش َّكل الزمن الواقعي أما زمن الخطاب فهو الزمن الملفوظ أو المكتوب
في الرواية ،وهو زمن محدد يبدأ بالكلمة الأولى
ليصنع منه خطا ًبا روائيًّا ذا زمن ذاتي يكشف عن في العمل وينتهي بالكلمة الأخيرة .وهذا الزمن –
تجربة الكاتب ووعيه الخاص بقضية (الزمن) ،وما بالضرورة -لا يخضع لمقتضيات الزمن الحقيقي
الواقعي ،بل يخضع لمقتضيات التشكيل الروائي
ينتج عن ذلك من قيم جمالية ودلالية. وتقنية الراوي السردية ،فالكاتب يختصر السنوات
الكثار في صفحات معدودة ،ويمط زمن الحدث
المفارقات الزمنية: القصير ج ًّدا في صفحات تصنع رواية كاملة ناجزة.
من العلاقات الزمنية الممكنة في العمل الروائي ما التفاعل بين الزمنين في العمل الروائي:
يقرر النقاد أن الرواية مقطوعة زمنيًّا مرتين ،وأن
يس ُّمونه (المفارقات الزمنية) ،وهو مصطلح عام يدل إحدى وظائفها هي إدغام زمن في زمن آخر .أحد
على كل أشكال التنافر بين الزمنين :زمن القصة
الزمنين هو زمن القصة (زمن الأحداث) ،وهو
وزمن الخطاب ،كما أنه يبحث في مدى قدرة الكاتب زمن التجربة الواقعية المدركة ذهنيًّا ،وهو بذلك
زمن خ ِّطي تتابعي يسوق الحوادث دو ًما إلى أمام،
على مزج الزمنين مز ًجا يصل إلى حد التلاحم وهو -كما سبق -زمن خام يحتاج إلى تشكيل
العضوي بينهما ،فض ًل عن البحث عن مدى قدرة فني ليتحقق (زمن الخطاب -زمن السرد) الذي
هو الزمن الثاني .وبواسطة هذا الأخير يتم سلب
السارد على سد الفجوات وإذابة الفوارق بين زمن القصة خطيته وكونه زمنًا خا ًما .ونحن في
انتقالنا من زمن القصة إلى زمن الخطاب ننتقل من
الزمنين .وتتمثل أشكال المفارقات في الاسترجاع التجربة الواقعية ذهنيًّا ذات الطابع المشترك إلى
تجربة الكاتب الذاتية ،لتتحقق –أو ًل -وظيفة جمالية
(الاسترداد) والاستباق. يتم من خلالها تكسير الطابع المشترك عند المتلقي،
وتتحقق –ثانيًا -وظيفة دلالية يتم من خلالها إنتاج
الاسترجاع:
هو ِذكر لاحق لحدث يسبق النقطة الحالية من دلالة هذا التكسير بفعل القراءة ذاته.
كيف يتحقق كسر المشترك؟
السرد .وقد يكون هذا الاسترجاع (أو الاسترداد أو
يحفل ميدان الروايات بآليات كثيرة يتحقق من
التذكر) خار ًجا عن بداية الرواية ،أي يسبق النقطة خلالها تحويل زمن القصة
التي بدأ منها السرد ،فهو استرداد خارجي ُيس ّمى الواقعي إلى زمن خطاب
(غير ّي القصة) .وقد يعود استرجاع آخر إلى نقطة روائي ،منها المفارقات
لبدء السرد ،فهو استرداد داخلي ُيس َّمى لاحقة الزمنية بأشكالها الوفيرة،
القصة) .وللاسترداد بنوعيه وظائف فنية (مثليّ ومنها المج َمل والوقفة
والحذف و ..والإحاطة
تجعل الزمن الطبيعي زمنًا فنيًّا له نظام ودلالات؛ بهذه التقنيات جميعها
فكيف وظفهما (عبدالله السلايمة)؟ يضيق به مقام مقالة؛
لذلك سوف أختار تقنية
الاسترجاع الخارجي واحدة هي (المفارقات
في رواية (شمال شرق) الزمنية) في رواية «شمال
شرق» وأحاول أن أتتبع
اللافت في هذه الرواية أن
الاسترجاع الخارجي يصنع
زمنًا يكاد يساوي في حجمه
زمن الخطاب الآني .وإذا قيل إن
الاسترجاع يمثِّل حكاية ثانية
زمنيًّا مع الحكاية الأولى؛ فإن
استردادات (السلايمة) تش ِّكل
حكايات وفيرة وفر ًة ظاهرة،
بحيث توازي في مساحتها
الحكاية الأولى التي يقدمها