Page 23 - merit 49
P. 23

‫‪21‬‬             ‫إبداع ومبدعون‬

               ‫رؤى نقدية‬

                                                                  ‫إله العهد القديم هو الإله‬
                                                                   ‫الذي يعبئ طاقة التمرد‬
                                                                  ‫في الإنسان وفي الذاكرة‬

                                                                                ‫البشرية‪.‬‬

                                                                    ‫التمرد الماورائي‬
                                                                  ‫بين الخلق والتدمير‬

                                                                  ‫إن الحركة التي يعتمد‬

                                                                  ‫عليها التمرد برمته هي‬

                                                                  ‫التناقض‪ ،‬لذا يقوم المتمرد‬

                                                                  ‫بالاحتجاج على وضعه‬

                                                                  ‫وعلى الخلق كله‪ ،‬فهو‬

                                                                  ‫ينكر الخلق والغايات‬

                                                                  ‫جميعها بتحطيم كل‬

‫إيفان تورغنيف‬  ‫الماركيز دو ساد‬                        ‫جون ميلتون‬  ‫قاعدة تستند عليها القيم‬
                                                                     ‫الروحية والإنسانية‪،‬‬

‫يختلط مع تاريخ الإلحاد‪ ،‬بل نجده أحيا ًنا أكثر قر ًبا‬  ‫وإن حركة الاحتجاج هذه‪ ،‬وإن كانت متخلخلة في‬
  ‫إلى الشعور الديني المعاصر‪ ،‬والتمرد لا ينكر الله‬
   ‫ولكن يجادله ويعاتبه‪ ،‬وأحيا ًنا تتملكه الرغبة في‬    ‫ظاهرها‪ ،‬لكنها تطالب بالوحدة والتماسك في عالم‬
                                   ‫التغلب عليه‪.‬‬
                                                                  ‫ممزق ومشتت‪.‬‬
‫كل تمرد هو حنين إلى البراءة‪ ،‬ونزوع إلى الكينونة‪،‬‬
     ‫لكن عندما يبلغ التمرد منتهى تناقضاته‪ ،‬ينكر‬       ‫التمرد الماورائي هو مطالبة مشروعة ضد آلام‬

  ‫ذاته ويضطر إلى الفناء مع العالم‪ ،‬أو يجد حقيقة‬       ‫الحياة والموت‪ ،‬ويكون غالبًا بسبب ما يتميز به‬
                                ‫وجودية جديدة‪.‬‬         ‫الوضع البشري من نقصان‪ ،‬وبناء عليه يحتج‬

           ‫التمرد والإلحاد‬                            ‫المتمرد على وضعه الفاني وعلى القوة التي تجبره‬

  ‫أنكر الماركيز دو ساد الإله باسم الطبيعة‪ ،‬وجعل‬       ‫على العيش في نظام ونسق معين‪ ،‬وعادة ما يكون‬
     ‫منها قوة مدمرة‪ ،‬فالطبيعة بنظره هي الجنس‪،‬‬
   ‫وهكذا يقوده منطقه إلى عالم بلا قانون حيث لا‬        ‫التمرد بواسطة الشر وما يتصف به من جنوح‪.‬‬
                   ‫سيد إلا طاقة الشهوة العارمة‪.‬‬
                                                      ‫إن وحدة العالم بالنسبة للتمرد لم تتحقق مع الله‪،‬‬
‫إن الطبيعة في روايات دو ساد تحتاج إلى الجريمة‪،‬‬
      ‫تحتاج إلى التهديم كي يعاد خلقها من جديد‪،‬‬        ‫لذا فلا بد لها أن تتحقق ضده‪ ،‬من أجل ذلك يتجه‬

  ‫ومن واجب البشر كما يرى دو ساد أن يساعدوا‬            ‫المتمرد لا شعور ًّيا إلى تأسيس أخلاق ومقدسات‬
   ‫الطبيعة على الخلق دائ ًما عن طريق إفناء الذوات‬     ‫جديدة‪ ،‬وإلى بناء ملكوت أرضي وفق القاعدة التي‬

                                      ‫الإنسانية‪.‬‬      ‫اختارها‪ ،‬وهو يحدوه الأمل في إله جديد‪ ،‬وقد‬
   ‫لم يقتل الماركيز دو ساد إلا في المخيلة‪ ،‬فقد بنى‬
    ‫صورة خيالية ليوهم نفسه أنه موجود‪ ،‬وجعل‬                        ‫انساق منطقيًّا لإعادة تشكيل الخلق‪.‬‬
                                                      ‫هناك المتمردون الذين يتغنون بالانتحار وتدفعهم‬

                                                      ‫رغبة ملحة إلى الفناء‪ ،‬وآخرون يتغنون بمشاهد‬

                                                      ‫القتل والدمار والجريمة‪ ،‬وفي كلا الحالتين فإن‬

                                                      ‫المتمردين يحترقون بنار الرغبة في الحياة الحقة‪،‬‬

                                                                  ‫ومحرومون من الكينونة‪.‬‬
                                                      ‫لكن ليس شر ًطا أن يكون المتمرد ملح ًدا‪ ،‬وحتى‬
                                                      ‫تاريخ التمرد نفسه ‪-‬كما يشير كامو‪ -‬يجب ألا‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28