Page 27 - merit 49
P. 27
25 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
لما نرغبه وما نرتئيه ،ودائ ًما
بانحراف طفيف هو
علامة الفن والاحتجاج.
في رواية «البحث عن
الزمن المفقود» ينحت
مارسيل بروست في
الزمن ،ويجعل الماضي
حاض ًرا أبد ًّيا في الذاكرة.
إنه تمرد ضد قوى
الموت والنسيان وزوال
الأشياء ،يعيد مارسيل
بروست الوحدة إلى عالم
مشتت وممزق من خلال
تلك اللحظات المنسية
والتي يصطفيها من
ديمتري بيساريف فريدريك نيتشه لوتريامون حنايا الذاكرة ،ليصطفي
من الحياة الذاتية ما
كذلك الثورات الحديثة أيضا قد أدت إلى تعزيز هو أكثر ذاتية منها ،ويجعل الأبدية حاضرة في
الدولة بإرهابها اللاعقلاني الذي يرى بأن ليس
لشيء معنى ،وأن التاريخ ليس سوى عرض قوة، حياة الإنسان ،لكنها أبدية بلا إله ،وبهذا تكتسب
إن هذه الثورة العدمية تجلت في الثورات الفاشية
في أوروبا وتحدي ًدا في الديانة الهتلرية التي لم تولِّد الكينونة أعمق معانيها في الزمان من خلال
سوى ولع شديد بالعدم. التحالف مع جمال الكائنات والعالم ضد إرادة
وهناك الدولة بإرهابها العقلاني التي قامت
باستبدال الملكوت السماوي بالملكوت الأرضي، العدم.
وبالتالي تأليه التاريخ والإنسان كمقد َسين لا يمكن
المساس بهما ،وقد كانت الدول الشيوعية أحد التمرد والثورة
وجوه هذا الإرهاب العقلاني ،ومن هنا نتبين كيف
تجلت الماركسية تاريخيًّا في شرعنة العنف الثوري يفرق ألبير كامو بين التمرد والثورة ،إذ يرى أن
وهي بعيدة عن الحكم ،وفي العنف الشرعي الممنهج الثورة تبدأ اعتبا ًرا من ادخال الفكرة في التجربة
التاريخية ،في حين أن التمرد هو فقط تلك الحركة
وهي على سدة الحكم. التي تقود من التجربة الفردية إلى الفكرة .إن تاريخ
إن الإرهاب أقصر طريق إلى الخلود ،وما
معسكرات الاعتقال وعمليات الإبادة الجماعية إلا حركة التمرد حتى لو كان تاري ًخا جماعيًّا هو
دليل على هروب الإنسان من العزلة والتعطش إلى احتجاج مبهم لا يستخدم مذاهب ولا أسبا ًبا ،أ َّما
الثورة فهي محاولة لصياغة العالم في إطار نظري.
الوحدة في حفرة القبر المشتركة. إن العدمية الفردية في ارتباطها بالحركات الثورية
ُيقتل الناس لأنهم يرفضون وضعهم الفاني والعقائد ،قد أصيبت بخيبة وانتهت إلى الإرهاب،
ويريدون الخلود للجميع ،والذين يرفضون عذاب
الكينونة والموت يريدون حينئذ أن يتكلموا. وقد سعى بعض المتمردين في انضمامهم إلى
الحركات بالخروج من التناقض وإلى خلق القيم
التي كانوا إليها يفتقرون ،وأصبح هؤلاء المتمردين
الذين لا يضعون أي فكرة فوق الحياة الإنسانية
يقتلون في سبيل الفكرة ويجسدونها حتى الموت.