Page 32 - merit 49
P. 32

‫العـدد ‪49‬‬   ‫‪30‬‬

                                                  ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

   ‫وكذلك خوف أهل زينب من العار الذي ستلحقه‬              ‫المختلفة في السرد يعطي انطباعات جديدة عن‬
‫بهم‪ ،‬وإنكار أن نقرأ ص‪« :٥٩‬لم يكن لنا بنات‪ ،‬وما‬            ‫أسباب الخوف‪ ،‬وتظهر معالم التخفي خلف‬

                ‫وجدوه عند القنطرة ليس لحمنا»‪.‬‬       ‫الشخصيات لوضع بعض المخاوف المحتملة‪ ،‬ومن‬
    ‫هناك كذلك المفارقة السردية‪ ،‬وتعد المفارقة من‬   ‫هنا تظهر ذوات ظاهرها قوية‪ ،‬لكن داخلها مهزوم‪،‬‬

       ‫التقنيات التي تستخدم في السرد لفتح آفاق‬        ‫فالكاتب في هذه القصة (الوطن) استخدم فكرة‬
  ‫أسلوبية متنوعة لتنامي وتطوير السرد‪ ،‬وتحقيق‬         ‫ذهنية من تغيير الجنسية ومن ثم الهوية‪ ،‬وموت‬
  ‫حالة من الدهشة لتحفيز ذهن المتلقي لكسر رتابة‬
                                                         ‫أمه‪ ،‬وتقنية الحلم والحوار والانتقال الزمني‬
                                        ‫التوقع‪.‬‬          ‫والمكاني‪ ،‬بل وكتابة حكاية عن جده مرتبطة‬
‫ويتجاوز ذلك إلى أحداث درامية يخرج منها بوجهة‬           ‫بالأولياء والولاية في حالة من بناء حكاية تبدو‬
 ‫نظر وفلسفة تعزز الطاقة السردية وتثري الدلالة‪،‬‬      ‫للمتلقي خاصة به‪ ،‬في وضع نفسي وسردي بالغ‬
‫ونجد ذلك في الكتابة عن المخاوف التي تصيب أمثلة‬        ‫التعقيد‪ ،‬وكله في مدار مخاوف رحلة البحث عن‬
                                                       ‫الذات التي يعيشها الإنسان طوال حياته‪ ،‬وهل‬
  ‫من الناس‪ ،‬ولكن هذا الخوف لا يعيق مضيهم في‬          ‫سيجدها أم لا؟ ونجد مع نهاية القصة أن الوطن‬
   ‫الحياة‪ ،‬بل في بعض الأحيان لا يكبل تصرفاتهم‪،‬‬          ‫‪-‬الذي هو عنوان القصة‪ -‬الحقيقي هو القبر‪،‬‬
‫بل يكون محف ًزا لاتخاذ قرارات‪ ،‬ورغم وجود فكرة‬     ‫سيحتوينا بكل إخلاص‪ .‬هي في رأيي أجمل قصة في‬
 ‫الخوف التي صدرها لنا الكاتب من بداية العنوان‪،‬‬
‫فنجد شجاعة التعامل مع هذه المخاوف والهواجس‬                                              ‫المجموعة‪.‬‬
   ‫ومواجهتها‪ .‬ويكشف لنا السرد عن مسارين في‬           ‫دائما هناك حكاية خفية وراء الحكاية المسرودة‪،‬‬
  ‫السلوك والتصرف بين الخوف والمواجهة‪ ،‬ونجد‬            ‫وكتبها الكاتب صراحة ص‪ ٤٤‬في عنوان فرعي‪.‬‬
‫تأثير المكان بهذه المخاوف ومواجهتها‪ ،‬فنجد المكان‬      ‫وفي المقابل لذلك هناك «الحكاية العلنية» وكتبت‬
                                                  ‫ص‪ ،٣٦‬نحاول أن نقرأ السرد المدون العلني ونبحث‬
     ‫في قصة «قصة الفجر» هو السجن بكل ما فيه‬          ‫عن السرد الخفي ‪-‬أي الدلالة‪ -‬أو معرفة ما بين‬
   ‫من قمع وسلب للحرية ومواجهة هذا بالأصدقاء‬
   ‫والغناء وانتصارهم على الخوف‪ ،‬نقرأ ذلك ص‪٨‬‬                                              ‫السطور‪.‬‬
  ‫و‪« :٩‬يومها عرف أن الغناء هبة سماوية يمكن أن‬         ‫أول هذه الدلالات‪ :‬لماذا لجأ الكاتب إلى ‪-‬أو لماذا‬
                                                     ‫أراد‪ -‬كتابة هذا السرد؟ نجد أنها أفكار تلح عليه‬
                  ‫تمسد الجراح فتصبح محتملة»‪.‬‬        ‫تريد الخروج‪ ،‬التمظهر في حكاية لها مكان وزمان‬
       ‫وكذلك نجد ذلك في قصة (الوطن)‪ ،‬نقرأ عن‬          ‫وأبطال‪ ،‬وكذلك للتنبيه على مصادر للخوف غير‬
 ‫مواجهة المرض ووجود الأم في المستشفى‪ ،‬وكذلك‬
‫رجوع بطل القصة إلى مسقط رأسه ومحاولة زيارة‬               ‫الاعتيادية المعروفة‪ ،‬وكذلك لفهم أن الشعور‬
                                                   ‫بالخوف شعور خفي يتسرب إلى النفوس بغير أن‬
                                       ‫قبر أمه‪.‬‬
   ‫وقصة «مخاوف نهاية العمر» وما بها من مكان‬           ‫نعرف‪ ،‬ونجد أنفسنا داخل دائرته‪ ،‬بل إن هناك‬
‫البيت الذي هو محور السرد‪ ،‬بما يمثله من الأصالة‬       ‫مخاوف من عنده‪ ،‬لكنه لا يعرف أو ينكرها مثل‬
                                                   ‫الدكتور ياسر حجازي‪ ،‬هو خائف من الفقد أو أنه‬
       ‫والتمسك بالتاريخ‪ ،‬ومواجهة الست عنايات‬
   ‫مخاوفها بكل شجاعة‪ ،‬رغم أنها في نهاية عمرها‬                               ‫لن يتذكره شخ ًصا ما‪.‬‬
 ‫فهي تتمسك بالحياة‪ ،‬نقرأ ص‪« :١٣٨‬كانت متأكدة‬       ‫والمرأة لا تريد بيع البيت‪ ،‬وتسمع صوت غراب‪ ،‬كل‬
                                                   ‫ذلك لخوفها من نهاية عمرها‪ ،‬تتمسك بالحياة بأي‬
      ‫من أنهم ينتظرون موتها حتى يبيعوا البيت»‪.‬‬
   ‫وكذلك ص‪« :١٤٦‬يا عمتي أنت خائفة من الموت‪،‬‬                                                 ‫شكل‪.‬‬
   ‫عمرو مات قبلك‪ ،‬شكلنا كلنا هنموت قبلك»‪ .‬هذه‬        ‫المتولي شعر بالخوف من الخالة في قصة «زينب‬
    ‫السيدة رغم مخاوفها الكثيرة من الموت ونعيق‬        ‫فخر الدين»‪ ،‬لكن يظهر أنه رضخ للأمر احترا ًما‬
                                                  ‫لها‪ ،‬لكنه خاف منها‪ ،‬وعرف أنها أقوي منه‪ ،‬وخاف‬
      ‫الغربان وهاجس وضع السم لها‪ ،‬ذهبت بكل‬           ‫أن تكمل سيرة أمه وتقول ما لا يحب أن يسمع‪،‬‬
   ‫شجاعة إلى مديرية الأمن لمقابلة مدير الأمن‪ ،‬بل‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37