Page 35 - merit 49
P. 35

‫‪33‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫الفقد والألم والوجع في كل المجموعة ليعمق مأسا َة‬  ‫يبطن شعو ًرا ويضمر موق ًفا‪ ،‬يبطن شعو ًرا بالفجيعة‬
     ‫أبطالها ويوغ َل في السؤال‪ .‬فتنشأ بين الصهيل‬    ‫الجاثمة على الصدر‪ ،‬ويضمر موق ًفا يسائل الوجود‬
                                                       ‫والموجود‪ .‬ففي الصهيل معنى غير الذي في بقية‬
‫والسؤال علاقة وشيجة تختزن شجنًا وتختزل ه ًّما‪.‬‬         ‫الأصوات؛ فليس المهم المدى الذي يبلغه الصوت‬
  ‫يصف الراوي شخصية سعاد في «صهيل الأسئلة‬                ‫قر ًبا أو بع ًدا ولا مدى صفائه ونقاوته‪ ،‬بل الأل َم‬
     ‫المرة» وقد جف نبض الحياة في صدرها‪ ،‬بقوله‬       ‫والأني َن الذي في نبرته‪ .‬لذلك انتشر الصهيل في كل‬
   ‫«يصهل السؤال في روحها المتعبة»‪ .‬فتصهل في‬         ‫المجموعة؛ ففي قصة «طريق دار العجائب» تتحدث‬
  ‫المجموعة أسئلة مرة نابعة من الصدر الذي جثمت‬        ‫الساردة عن صراعها مع من افتك قلادتها‪ ،‬فتقول‬
                                    ‫عليه الهموم‪.‬‬    ‫«تدقها صفعة يده فتشعر كما لو أن عظام صدرها‬
  ‫ومن باب الطرافة أن الخيل الذي استعارت الكاتبة‬        ‫قد تخلخلت (‪ )..‬ثم لا تلبث أن تستفيق من خدر‬
  ‫صهيله صو ًتا لأسئلتها الحارقة يحضر في مواطن‬        ‫الصدمة وتستدير نحوه صارخة بحنق‪ :‬قلادتي‪،‬‬
‫كثيرة من المجموعة‪ ،‬ففي أقصوصة «تلك السنديانة‬              ‫قلادتي‪ ،»..‬وفي قصة «الله يحبني يا كريدو»‬
  ‫تملك الجواب» يقول البطل الباحث عن «محبوبة»‪:‬‬           ‫يقول أحمد الشريف التونسي وقد أذهله منظر‬
      ‫«يبتلع جوادي المسافات كما أبتلع أنا الغصة»‬     ‫القذارة الملتصق بصدره‪« :‬أصيح مع صوت الريح‬
     ‫(ص‪ ،)94‬وفي أقصوصة «طريق دار العجائب»‬             ‫مناد ًيا‪ ..‬فيعود إل َّي صدى جزعي»‪ ،‬ويقول أي ًضا‪:‬‬
      ‫ترهف البطلة السمع للكون وتصغي لأصوات‬            ‫«ينفجر الضيق فجأة بصدري كلغم قديم وتكاد‬
       ‫الحياة‪ ،‬فيكون من بين الأصوات «دق حوافر‬           ‫روحي تقفز من بين ضلوعي فأصرخ بصوت‬
                                                    ‫حاد وملتاع‪ ..‬وكأن حمى غريبة سكنتني»‪ ،‬وبطلة‬
‫الخيل» (ص‪ ،)17‬وفي «الله يحبني يا كريدو» يصدح‬         ‫قصة «كابوس الساعة القادمة» تشعر وهي ترقب‬
   ‫«الطاهر» بصوته الجبلي «المشحون برقرقة أسى‬          ‫الكسوف «كأن ري ًحا عصفت بداخلها‪ ».‬فلا تهدأ‬
                 ‫عذبة»‪« :‬يا خيل سالم»‪( .‬ص‪)30‬‬          ‫إلا حين «تنحدر من عينيها دمعات حارة فينزاح‬
   ‫في «الأسئلة»‪ :‬تقول الكاتبة في حوارها مع مجلة‬         ‫شيء من الغم عن صدرها»‪ ،‬وفي قصة «رحلة‬

‫«العرب»‪« :‬أكتب لأبدد شيئًا من دهشتي أمام العالم‪،‬‬   ‫محسن الأندلسي»‪ُ ،‬تفا َجأ سناء بخبر إصابة محسن‬
‫ولأمسك بلحظات اللامعقول فيه‪ ،‬وأزرعها بأسئلتي‪،‬‬          ‫الأندلسي بالسيدا‪ ،‬ف»يتصاعد هدير القلب إلى‬
                                                       ‫حنجرتها»‪ ،‬أما بطل قصة «تلك السنديانة تمتلك‬
     ‫ولأنني معبأة من الداخل ومسكونة على الدوام‬
  ‫بعذابات الإنسان ومآسيه»(‪ .)1‬وأسئلة الأقاصيص‬        ‫الجواب» فيصف حاله بعد فقده حبيبته «محبوبة»‬
‫آهات تصدر عن نفوس مكلومة ومهزومة ومطعونة‬             ‫بقوله‪« :‬يملؤني جزع خفي»‪ ،‬و»تضطرم النار في‬
                                                   ‫أعماقي وينقبض القلب كحجر صلب»‪ ،‬ف»تصاعد‬
    ‫بالفجيعة ومسكونة بهموم ذاتية حينًا وإنسانية‬
      ‫حينًا آخر‪ ،‬وقد وردت هذه الأسئلة على لسان‬         ‫الأنين بداخلي» و»تلاشى الصبر في صدري»‪،‬‬
     ‫الشخصيات سواء بمناسبة الحوار الباطني أو‬       ‫وحاله في ذلك كحال السيدة «نبيلة» في قصة «كلمات‬

   ‫الحوار المباشر تطرحها وهي «تريد أن تبدد طعم‬           ‫بلا نافذة» التي عبثت عشرون سنة من الزمن‬
        ‫الخيبة التي ظلت عالقة بنفسها»‪( .‬ص‪)120‬‬      ‫بذكرياتها وأحلامها‪ ،‬تقول عند زيارة الطبيب حبيب‬
                                                   ‫الأمس وقد داهمتها «سيول القلق» ف»تشعر بالألم‬
‫‪« -‬طريق دار العجائب»‪« :‬متى كانت المقاومة تثير‬       ‫وقد سدت ذرو ُته داخلَها»‪« :‬تضيق أنفاسي فجأة‬
 ‫السخرية؟»‪ ،‬و»كيف تصمت الأرض وهي تشهد‬                ‫وأشعر بالشد على صدري»‪ ،‬ف»يشرع الطبيب في‬
 ‫هزيمة أصحابها؟»‪ ،‬و»هل تنفذ الخيانة إلى عمق‬
                                                     ‫معاينة مساحة الوجع في صدري»‪ .‬و»في متاهات‬
                                     ‫الأرض؟»‪.‬‬          ‫الأقبية العمياء» تقول البطلة وقد وجدت نفسها‬
‫‪« -‬الله يحبني يا كريدو»‪« :‬هل يستطيع (الإنسان)‬
                                                    ‫فجأة سجينة قبو الأموات‪« :‬تدوي بداخلي صرخة‬
    ‫صياغة نفسه من جديد» بعد أن صنع بالمال‬            ‫مكبوتة»‪ ..‬وبانتشار صوت الصهيل ينتشر معنى‬
                                  ‫جحيم نفسه؟‬

‫‪« -‬كابوس الساعة القادمة»‪« :‬أترانا نحن البشري َة‬
   ‫بحاجة من وقت لآخر إلى قوة طبيعية خارقة‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40