Page 28 - merit 49
P. 28
مارسيل بروست يعتقد نيتشه أنه على الإنسان
أي ًضا ،وبالتالي تتشكل الصورة التي يجب أن أن يكون حًّرا في عالم لا تحكمه
يكون عليها وجودي. الغايات ولا القيم ،وهذه الحرية تجد
كذلك التمرد عند ألبير كامو ليست حالة فردية نفسها في الوقوف على حافة الخطر،
أنانية ،وإنما حالة يجاوز فيها الفرد ذاته نحو
وفي الاعتراف ببراءة الصيرورة وفي
الآخر.
إن الإنسان كما يوجد عليه أن يتمرد وهو أحد الاستسلام لهذا العالم .وهذا يؤدي
أبعاده الأساسية ،لكن على تمرده أن يحترم الحد
الذي يكتشفه في ذاته ،وهو الحد الذي يلتقي فيه إلى مبدأ الزهد العدمي المنطلق من
جميع البشر في هذا الوجود. الاعتراف بالقدر وتمجيده ،وهنا تمتزج
إن الألم النابع من تجربة عبثية غالبًا ما يكون
فرد ًّيا ،لكن في حركة التمرد يصبح الألم جماعيًّا فرحة الصيرورة بفرحة الفناء وتدخل
والمعاناة مشتركة مع البشر ومصائرهم المتقاطعة.
ومن هنا نستطيع أن نضفي على التمرد نزعة ألوهية الإنسان إلى هذا العالم.
إنسانية ،عندما تدفعنا تجربة العبث إلى الإيمان
ببديهية الاحتجاج ،عندها ينطلق الفرد من عزلته وإذا كانت السلطة تعني عذاب الآخر،
وعذابه ،من يأسه وتمزقه في هذا العالم ليعطي فإنها في الوقت نفسه بحاجة إلى الآخر.
القيمة للبشر جمي ًعا. التمرد نزعة إنسانية
هكذا يصبح التمرد منهجيًّا عندما تحتوي حركته
التمرد هو حركة الحياة التي تجد نفسها في الحب
ضمنيًّا على القيمة في عالم بلا قيمة ولا معنى، والعطاء ،وفي صرخة الكينونة المتجددة ،والتمرد
ليصبح الكوجيتو الديكارتي. ليس نقيض الاعتدال ،بل إنه نزاع دائم يولده العقل
« :أنا أتمرد ،إذن نحن موجودون» ويضبطه على الدوام ،والتمرد يقاضي الحرية
والتامة والسلطة المطلقة التي تؤدي إلى تحطيم
كينونات الآخرين وحرياتهم.
إن التمرد هو منطق خلق لا تدمير ،والتمرد الذي
ينكر الحياة مصاب بعدوى الغل والحقد ،وهو نتاج
العبودية التي تتحول إلى ظلم وطغيان.
يشترك ألبير كامو مع سارتر في المذهب الإنساني،
فعندما يطرح سارتر فكرة الاختيار في الوجودية،
فإنه يضفي على الاختيار صفة العمومية لجميع
البشر ،وعندما أختار أنا فإني لا أختار لنفسي
فقط ،وإنما أختار للناس جمي ًعا ،وكذلك بالنسبة
للحرية الفردية التي تصبح مسؤولية ،فأنا عندما
أكتشف حريتي ،فإنني أكتشف حرية الآخرين