Page 26 - merit 49
P. 26
العـدد 49 24
يناير ٢٠٢3
نكرر العالم ،مثلما يتكرر في حركة العود الأبدي. معبد قديم.
تدور فلسفة نيتشه حول مشكلة التمرد التي تبدأ
الفن بوصفه إبدا ًعا مح ًضا
عنده من مقولة موت الإله ،لكن نيتشه لم يعقد
ما من فن يستطيع أن يرفض الواقع رف ًضا مطل ًقا، النية على قتل الإله ،لانه وجده ميتًا في نفوس أهل
أو يؤكده تأكي ًدا مطل ًقا ،فإنما هو يرفض وجها من
زمانه.
وجوه الواقع ويؤكد وجها آخر ،فالفن هو هذه يصبح تمرد الإنسان عديم القيمة ،ولا يؤدي إلى
الحركة التي تمجد وتنكر في الوقت نفسه ،وهو انبعاث أي قيم جديدة أو نهضة حضارية إذا لم
يكن خاض ًعا لتوجيه ،فنيتشه لم يضع فلسفة في
يرفض العالم بسبب ما ينقصه دائ ًما. التمرد ،وإنما بنى فلسفة على التمرد .يعتقد نيتشه
يعيدنا الفن إلى أصل التمرد بمقدار ما يسعى إلى أنه على الإنسان أن يكون ح ًّرا في عالم لا تحكمه
تجسيد قيمة تتلاشى في الصيرورة الدائمة. الغايات ولا القيم ،وهذه الحرية تجد نفسها في
إن الأشياء في الفن لا يسعها أن تعجبنا لأننا لا الوقوف على حافة الخطر ،وفي الاعتراف ببراءة
نراها ،بل لأن الصيرورة الدائمة تنكرها وتدفنها، الصيرورة وفي الاستسلام لهذا العالم .وهذا يؤدي
إلى مبدأ الزهد العدمي المنطلق من الاعتراف بالقدر
وهو ما يحولها إلى أشياء منسية ومهملة في وتمجيده ،وهنا تمتزج فرحة الصيرورة بفرحة
الذاكرة البشرية.
الفناء وتدخل ألوهية الإنسان إلى هذا العالم.
ففي اللوحات التشكيلية لعباقرة الفن هناك اصطياد إن حركة التمرد التي كان يطالب فيها الإنسان
لما هو عابر ومنسي في الحياة اليومية ،فمن ذا
الذي كان ينظر إلى ي َدي الجلاد أثناء الجلد؟ أو بكينونته الخاصة تلاشت في خضوع الفرد
خضو ًعا مطل ًقا للصيرورة ،وبهذا يحل حب القدر
إلى أشجار الزيتون على درب الصليب أو تأملات محل كره القدر ،إذ إن كل فرد يشارك في الوجود
الإنسان في وحدته وعزلته؟ الكوني ويتلاشى في دوائر ال َعود الأبدي للعوالم.
تكمن عبقرية الرسام في هذا الجمع بين الطبيعة لقد سعى نيتشه إلى إثبات وجود القانون في
والتاريخ ،في تلك الأشياء الصغيرة المتلاشية الصيرورة ،لكن ما من حكم يفسر العالم.
في الصيرورة الدائمة ،فالفن هو هذا الانسجام وحده الفن يكتنه العالم ،فالفن وحده يعلمنا كيف
الساحر بين الجزئي والكلي والذي كان يحلم به
هيغل.
إن الفن مهما يكن هدفه فإنه ينافس الله منافسة
آثمة ،وأعظم أسلوب في الفن هو التعبير عن أسى
التمرد.
كذلك فالرواية تنشأ
من روح التمرد،
وما العالم الروائي
سوى تصحيح لهذا
العالم وفق رغبة
الإنسان ،فالمقصود
هو نفس العالم
والعذاب نفس
العذاب ،لكن هنا
يتجلى الجهد المبدع
في صنع العالم وف ًقا