Page 22 - merit 49

‫العـدد ‪49‬‬ ‫‪20‬‬

‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

‫أوس حسن‬

‫(العراق)‬

‫ألبير كامو وقصة التمرد‪..‬‬
‫من الأسطورة الإغريقية‬
‫إلى ثورات القرن العشرين‬

‫يقول ألبير كامو إن العدمية مع نيتشه أصبحت نبوئية وواعية لأول‬
‫مرة‪ ،‬إن نيتشه أقر بالعدمية وفحصها كواقعة سريرية‪ ،‬وادعى أنه أول‬
‫عدمي في أوروبا‪ .‬رأى نيتشه في ذاته ولدى الآخرين العجز عن الإيمان‬
‫واختفاء القاعدة الأولية لكل إيمان في الحياة‪ .‬جعل نيتشه من فقدان‬
‫الإيمان طريقة تسير بالعدمية نحو نتائجها القصوى‪ ،‬فقد مارس الإنكار‬
‫الممنهج عن طريق الهدم المستمر لكل الأشياء‪ ،‬ولكل المعبودات التي‬
‫تخفي موت الإله‪ ،‬فلإقامة معبد جديد لا بد من تهديم معبد قديم‪.‬‬

‫قبل غيره من البشر إلى رفع عينيه الفانيتين‬ ‫تاريخ الفكر البشري بيقظات فردية‬ ‫حفِ ل‬
‫بوجه الآلهة التي تهدد البشر بمظهرها المرعب‬ ‫وجودية‪ ،‬تضمن البعض منها أشكا ًل من‬

‫وشرورها‪.‬‬ ‫التمرد والعصيان البشري‪ ،‬فالإنسان‬
‫كانت قصيدة الشاعر والفيلسوف الروماني‬ ‫المتمرد موجود قبل عالم القدسيات‬
‫لوكريتوس في ماهية الأشياء عبارة عن ملحمة‬ ‫وبعده‪ ،‬تعتريه الرغبة بعالم إنساني‬
‫تمردية عظيمة‪ ،‬ووعيًا مفار ًقا له طابع الاحتجاج‬
‫المباشر ضد وهم الآلهة والأساطير عندما تصف‬ ‫تكون فيه جميع الأجوبة مصاغة بشكل منطقي‪.‬‬
‫أصل الكون المكون من ذرات أزلية لا يصيبها‬ ‫عرفت الحضارة اليونانية القديمة التمرد‬
‫التغيير ولا يعتورها الفناء‪ ،‬وتدعو عامة الناس إلى‬
‫التأمل في ظواهر الطبيعة وفي قوانينها الفيزيائية‪،‬‬ ‫الميتافيزيقي‪ ،‬ووهبتنا أعظم أسطورة عن العقل‬
‫وإلى التحرر من سلطة رجال الدين الذين يبررون‬ ‫المتمرد‪ ،‬وهي تصور لنا بروميثيوس مربو ًطا‬
‫جرائم الآلهة وشرورها لأجل رغباتهم ومصالحهم‬ ‫إلى عامود قائم في أقاصي الأرض‪ ،‬شهي ًدا أزليًّا‬
‫محرو ًما إلى الأبد من مغفرة يرجى التماسها‪.‬‬
‫الذاتية‪.‬‬ ‫إن اليقظة الفكرية في العقل الإغريقي حملت أي ًضا‬
‫لكن تاريخ التمرد الذي نحياه ‪-‬كما يؤكد ألبير‬ ‫في ثناياها تمر ًدا واض ًحا ضد الآلهة وأوهام البشر‪.‬‬
‫حيث يرى ألبير كامو أن أبيقور نفسه يتحول‬
‫كامو‪ -‬هو تاريخ أبناء قابيل أكثر منه تاريخ‬ ‫في قصيدة لوكريتوس إلى متمرد رائع لا علاقة‬
‫تلامذة بروميثيوس‪ ،‬وعلى هذا الأساس يكون‬ ‫له بأبيقور الأصلي‪ ،‬عندما يتجرأ هذا الإغريقي‬