Page 19 - merit 49
P. 19

‫زمن القصة هو الزمن الحقيقي أو‬                                             ‫عبد الله السلايمة‬

 ‫الواقعي الذي تستغرقه أحداث القصة‬                              ‫السارد‪ .‬وإننا لا نكاد نمضي قلي ًل لنعرف‬
                                                              ‫أن (كمال‪ -‬البطل) رضي بوظيفة ُمعلِّم على‬
  ‫كما حدثت في الواقع أو كما تخيلها‬
                                                                ‫مضض‪ ،‬لا نكاد نمضي قلي ًل حتى نلتقي‬
       ‫الروائي‪ ،‬وهو زمن خام لم يخضع‬                     ‫(ص‪ )6‬بأول استرداد يحكي عن (كمال‪ -‬الصبي)‬

     ‫بعد للتشكيل الفني؛ فهو يتوافق‬                       ‫يقف أمام أبيه الذي يشجعه على أن يكون ُمعل ًما‪،‬‬
                                                       ‫لكن الصبي يحاول أن يختار لنفسه وظيفة (فنان)؛‬
  ‫في حجمه وسرعته وبطئه مع الزمن‬
                                                                    ‫فلا ُيفلت من عقاب أبيه إلا بأعجوبة!‬
      ‫الحقيقي الواقعي؛ فأحداث بعض‬                      ‫وأظنه من فضول القول تكرار أن الاسترداد يكسر‬
                                                       ‫خطية الزمنية‪ ،‬ويقطع وشائج الحكي المسترسل في‬
  ‫القصص قد تستغرق عشرات السنين‪،‬‬                        ‫الوقت الذي يكسر فيه الطابع المشترك عند المتلقي‪.‬‬

  ‫أو سنوات قليلة‪ ،‬أو شهوًرا أو أيا ًما‪ ،‬أو‬                      ‫وإنما يهمنا هنا إنتاج دلالة هذا التكسير‪.‬‬
‫لحظة قصيرة يصنع منها‪ ‬الكاتب‪ ‬رواية‬                            ‫أعتقد أن هذا الاسترجاع أ َّدى وظيفة دلالية‪،‬‬
                                                         ‫تبريرية وتفسيرية‪ ،‬مهمة ح ًّقا؛ فالبطل الذي يجد‬
    ‫الصغر يشعر أنه يملك نظرة مختلفة إلى الأمور»‪.‬‬          ‫نفسه مرغ ًما على قبول وظيفة المُعلِّم يبرر لنفسه‬
      ‫فنرى منط ًقا سرد ًّيا تحكمه ذاكرة تحتشد فيها‬      ‫هذا الوضع الجديد بوصفه أمنية قديمة لأبيه‪ .‬كما‬
      ‫أحداث متشظية أجاد السارد أن يجمع بينها في‬         ‫أن الاسترجاع هنا كشف لنا عن سمات شخصية‬
                         ‫خطاب فني تتآزر أشتاته‪.‬‬         ‫الأب المتمثلة في الصرامة والحزم والعنف‪ ،‬وهو ما‬
                                                         ‫يفسر لنا كيف ف َّكر (الابن) كمال خريج الجامعة‬
    ‫ثم يبدأ كمال التدريس (ص‪)8‬؛ ف ُتعجب به إحدى‬            ‫المثقف أن يعتدي جسد ًّيا على الموظف الذي أنبأه‬
     ‫تلميذاته وتغرق نحوه في مشاعر مراهقة عنيفة‪،‬‬
 ‫فيعقب ذلك مباشرة (ص‪ )9‬استرجاع خارجي آخر‬                                                     ‫بالوظيفة‪.‬‬
     ‫ُيورد حكاية أخرى لا تتداخل مع الحكاية الأولى‬      ‫كما أزعم أن الاسترداد هنا أسهم في تطوير الحدث‬
      ‫بل تتناول خ ًّطا ومضمو ًنا قصصيًّا مختل ًفا عن‬
    ‫مضمون الحكاية الأولى‪ ،‬لكنها تكملها حين تف ِّسر‬       ‫الروائي بطريقة توليد استرداد من استرداد؛ فقد‬
      ‫للبطل ما قد يكون غاف ًل عنه‪ ،‬وتضرب له المثل‬        ‫«عادت به الذاكرة إلى يوم‪ ..‬هنأه والده»‪ ،‬ثم ينتج‬
   ‫بمصير معلم آخر (هاني) كادت مثل هذه العلاقة‬            ‫عن ذلك الزمن الماضي ماض أبعد منه‪« :‬كان منذ‬
  ‫أن ُتفقده وظيفته وعافيته أي ًضا‪ .‬إن هذا الاسترجاع‬
    ‫يحاول أن يكشف أبعاد المخاطر التي قد يتعرض‬
   ‫لها كمال في تجربته الحالية‪ ،‬هو بهذه المقارنة بين‬
  ‫موقفين يق ِّدم تحذي ًرا عن طريق ضرب المثل بحكاية‬
      ‫أخرى مشابهة‪ .‬ولا تخفى هنا دلالة الاسترداد‬
      ‫التي تص ِّور توتر كمال وإحساسه بالقلق نحو‬
   ‫هذه العلاقة التي لا تناسب (المهنية)‪ ،‬ولا الأعراف‬
   ‫السائدة في تلك البيئة التي تدور الأحداث فيها‪ .‬بل‬
    ‫أكاد أقطع أن الكاتب لم يتخذ من الزميل إلا قنا ًعا‬
    ‫وهو يتنبأ بمستقبل علاقة التلميذة بالمعلم‪ .‬وإنما‬
   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24