Page 21 - merit 49
P. 21

‫‪19‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫تما ًما ملابسات قتل حسام‪ ،‬يبدأ السارد (ص‪)91‬‬           ‫شعره المصفف بعناية‪ ،‬وجهه الخمري المستدير‪،‬‬
 ‫في سد تلك الفجوة في خمس صفحات كاملة‪ .‬وهنا‬               ‫عيناه الكحيلتان الواسعتان»‪ .‬والتكرار هنا ليس‬
  ‫‪-‬وفي مواضع أخرى‪ -‬نلاحظ فر ًقا بين التكراري‬         ‫نصيًّا‪ ،‬لكنه يلح على دلالة واحدة يبدو لي أن منبعها‬
‫المختصر والتكميلي المس َهب فيه‪ ،‬ولعل حجم التكميل‬      ‫(صدى وجداني) هام فيه السارد حتى ألفى نفسه‬
 ‫يخضع بالضرورة لحجم الفجوة التي مر بجانبها‬              ‫يصف جمال عيون الرجل! وهذه الصدى يتكرر‬
                                                     ‫مرة أخرى في وصف جمال ريما الخليلية والدة مها‬
     ‫السرد مرو ًرا وأ َّجل تفاصيلها ببراعة تستدعي‬       ‫(ص‪« :)16‬ورثت مها كل شيء عن أمها‪ :‬طولها‪،‬‬
                        ‫اللهفة على متابعة القراءة‪.‬‬    ‫بياضها‪ ،‬لون شعرها الكستنائي ونعومته‪ ،‬وجهها‬
                                                       ‫البيضاوي‪ ،‬عينيها الخضراوين‪ ،‬شفتيها الممتلئتين‬
   ‫وقد يكون التكميلي تفسي ًرا‪ ،‬ففي (ص‪ )15‬يف ِّصل‬      ‫التواقتين»‪ .‬وفي (ص‪ )36‬يصف مها «وهي تراقبه‬
   ‫السرد في مظاهر ثراء أسرة فؤاد والد مها‪ ،‬وهو‬         ‫بعينيها الخضراوين»‪ .‬وفي (ص‪« )44‬يحدقون في‬
                                                      ‫جسدها الفائر»‪ .‬ثم يكرر هذه الأوصاف؛ سعيًا إلى‬
      ‫ثراء لم يحققه كل تاجر ولا كل تجارة؛ فيأتي‬
     ‫التكميل التفسيري (‪« :)84‬يقولون فؤاد تاجر‬                    ‫تأكيد فتنة التلميذة بالمعلم وفتنته بها‪.‬‬
   ‫سلاح»‪ ،‬ويتواصل التفسير (‪« :)85‬لقد قالت لي‬               ‫على أن التكرار قد يرد في الرواية من أجل أن‬
  ‫إنها اكتشفت ذلك صدفة‪ ..‬فقد رأت بعينيها اللتين‬             ‫يعطي الحدث الأول تأوي ًل جدي ًدا‪ ،‬أو تأوي ًل‬
‫سيأكلهما الدود‪ .»..‬وقد أ َّجل السرد هذا التفسير إلى‬   ‫أوسع‪( .‬ص‪ )32‬تقول أم كمال له‪« :‬لا يهمني ممن‬
  ‫حيث واتاه موقف إنساني مؤثر ومعبِّر وكاشف‪،‬‬            ‫تتزوج»‪ .‬وطبيعة الأم وبيئتها تعنيان من أي فتاة‬
   ‫وهو أشد ما يكون حز ًنا‪ ،‬وأكبر ما يكون فجيعة‬         ‫بدوية‪ .‬فيأتي كمال في الصفحة ذاتها؛ فيكرر على‬
 ‫على ريما وأسرتها‪ ،‬هنا أتى هذا التفسير (الشامت)‬        ‫نفسه قولها هذا في الصفحة نفسها‪ ،‬ويكرره ن ًّصا‬
                                                     ‫(ص‪ )51‬موس ًّعا دلالته لتشمل أي فتاة أخرى‪ ،‬ولو‬
        ‫مصو ًرا انشغال الناس بالمال حتى في أحلك‬       ‫مدنية‪ .‬وهذه حيلة سردية ناجعة في إنماء وتطوير‬
‫الظروف وأسوئها‪ ،‬وهو الانشغال الذي ولَّد الحسد‬
‫والشماتة في مصائب الأثرياء‪ ،‬نقرأ‪« :‬ثلاث صدمات‬                                         ‫العمل الروائي‪.‬‬
                                                                        ‫الاسترجاع الداخلي التكميلي‪:‬‬
    ‫كن كافيات لقصم ظهر بعير‪ ،‬وليس ظهر امرأة‬             ‫والاسترجاع التكميلي هو إيراد مقاطع استعادية‬
  ‫رقيقة ناعمة مثل ريما‪ ،‬وكافية لأن يجعلها تجلس‬           ‫تأتي بعد فوات الأوان لتسد فجوة سابقة وفق‬
                                                          ‫منطق سردي مستقل جزئيًّا عن ُمض ِّي الزمن‪.‬‬
      ‫بين المعزيات شاردة ومنكسرة وصامتة‪ ،‬ولم‬          ‫وهذه الفجوات قد تكون حذو ًفا مطلقة‪ ،‬أي نقائص‬
   ‫تذرف دمعة واحدة‪ .‬وفيما كانت تحاول إحداهن‬           ‫في الاستمرار الزمني؛ فمث ًل يرد في (ص‪« :)83‬إن‬
 ‫استنطاقها‪ ،‬تساءلت أخرى هامسة في أذن قريبتها‬             ‫التكفيريين قد ذبحوا حسا ًما» شقيق مها؛ فيقام‬
‫الجالسة بجوارها‪ :‬يقولون فؤاد يتاجر في السلاح»‪.‬‬             ‫العزاء ثم تموت ريما حز ًنا ويشارك كمال في‬
                                                      ‫العزاء‪ ،‬وتمرض مها فتسافر مع شقيقها وسام إلى‬
                       ‫سكت الألم ونطق التش ِّفي!‬     ‫السعودية استشفا ًء‪ .‬وبعد كل هذا السرد الذي أغفل‬
‫شك ًرا للكاتب عبد الله السلايمة الذي أمتعنا بمحور‬
‫واحد من محاور اللعب بالزمن‪ ،‬ولا يزال في الرواية‬

                                      ‫قول كثير‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26