Page 25 - merit 49
P. 25
23 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
أوجدتها المسيحية بين الألم والحقيقة ،فالحقيقة الخطيئة هو ابن الشيطان ،والمتمرد كي يعتبر
حتى لو كانت موجودة فلا يسعها أن تكون نفسه بريئًا يتخلى عن الخير ويولِّد الشر
مقبولة.
ثانية ،ليجد نفسه مجب ًرا على ارتكاب الشر
التمرد بين العدمية السلبية والعدمية شو ًقا منه إلى خير مستحيل ،والشيطان
الإيجابية يتمرد على خالقه ،لأن هذا الخالق استخدم
القوة لإخضاعه وقهره .يقول شيطان
بدأت بواكير العدمية تظهر في العقد السابع من ميلتون« :صار للخالق أندا ٌد في العقل،
القرن التاسع عشر ،وقد ظهرت كلمة عدمية لقد أدين العنف الرباني إدانة صريحة،
في قصة «والد وأبناء» للروائي الروسي إيفان والشيطان لم يسلك طريق الشر ،إلا لأن
تورغنيف. الخير واضح ويستخدمه الإله لغايات
تتجه العدمية نحو إنكار كل قيمة مطلقة وكل نظام، ظالمة».
ولا تعترف إلا بالأنانية العقلانية. الصرخة وحدها من تجعلنا نحيا ،وهنا
يصرخ الشاعر العبقري مع الشيطان:
إن الفيلسوف الروسي ديمتري بيساريف أنكر كل «ودا ًعا أيها الرجاء ،ولكن مع الرجاء ودا ًعا
ما ليس إرضاء للذات ،وأعلن الحرب على الفلسفة أيها الخوف ،ودا ًعا أيها الندم .أيها الشر،
والفن والأخلاق والدين ،وعلى جميع العادات كن خيري».
والتقاليد. يكون المتمرد الرومانسي بحاجة دائمة إلى
محاورة ومجادلة مع الله ،فإيفان بطل رواية
العدميون المتطرفون اتخذوا من العقل الضيق «الأخوة كارامازوف» لدوستويفسكي لا ينكر
والغرائز الأنانية عقيدة جوهرية ،وهذا دليل على وجود الله إنكا ًرا مطل ًقا ،لكن ُيخ ِّطئ الله باسم
ظلامية عقلانية واضحة لديهم .هذه الظلامية لم
تجد النور وظلت تراوح في دوائر المتاهة والدمار، قيمة أخلاقية ،ويخاطبه مخاطبة الند للند.
عكس العدمية عند نيتشه الذي اتخذها منه ًجا لفن وهو بذلك يرفع قيمة العدالة إلى مرتبة أكثر
من الحقيقة ذاتها ،فالحقيقة لا تستحق أن نحيا
العيش ولتوازن كينونة الإنسان مع العالم. من أجلها إذا كان طريقها معبَّ ًدا بالآلام ودموع
الأطفال والعذابات البشرية ،وإيفان في رواية
نيتشه والعدمية الخلاقة الأخوة كارامازوف يرفض العلاقة العميقة التي
يقول ألبير كامو إن العدمية مع نيتشه أصبحت
نبوئية وواعية لأول مرة ،إن نيتشه أقر
بالعدمية وفحصها كواقعة سريرية،
وادعى أنه أول عدمي في أوروبا .رأى
نيتشه في ذاته ولدى الآخرين العجز
عن الإيمان واختفاء القاعدة الأولية لكل
إيمان في الحياة.
جعل نيتشه من فقدان الإيمان طريقة
تسير بالعدمية نحو نتائجها القصوى،
فقد مارس الإنكار الممنهج عن طريق
الهدم المستمر لكل الأشياء ،ولكل
المعبودات التي تخفي موت الإله،
فلإقامة معبد جديد لا بد من تهديم