Page 20 - merit 49
P. 20

‫العـدد ‪49‬‬   ‫‪18‬‬

                                                      ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

   ‫من الخليل إلى رفح نراها تعجب من هذه العلاقة‬          ‫يقوي هذا الرأي عندي أن الكاتب يعود (ص‪)35‬‬
 ‫المتوترة بين البدوي والمدني اللذين تجمعهما مدينة‬        ‫ليقدم لنا مرتين استردا ًدا (مزجيًّا)‪ ،‬قوامه قصة‬
                                                         ‫المُعلم هاني القديمة وتذكير الزملاء لكمال بهذه‬
   ‫واحدة هي (رفح)‪ ،‬وتجمعهما مناشط اقتصادية‬               ‫القصة‪ ،‬يقول‪« :‬وسيطر عليه الخوف حين أوغل‬
     ‫وحيوية مشتركة‪ ،‬مثلما تجمع بينهما المدارس‬             ‫في خياله متصو ًرا نفسه يمر بما مر به هاني»‪.‬‬
                                                        ‫وفي الصفحة نفسها‪« :‬قبل أن يجد نفسه متور ًطا‬
 ‫والجامعات؛ فليس غريبًا أن نسمعها تسال زوجها‬           ‫ويحدث له ما حدث لهاني من قبل»‪ .‬ثم يكرر ذلك‬
 ‫(ص‪« :)19‬ألا يوجد بين هؤلاء المتعلمين من يتحلى‬
                                                                                            ‫غير مرة‪.‬‬
     ‫بالشجاعة الكافية للإعلان عن رفضه لمثل هذه‬          ‫وإذا كان الاسترجاع‪ ،‬بطبيعته‪ ،‬يص ِّور زمنًا ثانيًا‬
                                       ‫الأفكار»؟‬
                                                          ‫ويش ِّكل حكاية ثانية؛ فإن (السلايمة) استطاع‬
‫إن (السلايمة) في هذا الاسترجاع الثالث يأخذ بيدنا‬           ‫أن يق ِّرب بين هذه المحاور حتى تكاد تتمازج‪،‬‬
  ‫من طرف خفي‪ ،‬بلباقة ومهارة‪ ،‬إلى مفارقة زمنية‬            ‫أو تتمازج بالفعل‪ .‬ففي الاسترجاع الأول يتذكر‬
    ‫مغايرة تمثل نو ًعا من (الاستباق) التمهيدي‪ ،‬أو‬           ‫موقفه القديم مع أبيه؛ فيهيم معه ويستطرد‪،‬‬
  ‫التنبؤي؛ فإن سوابق هذه السيدة وطبيعة نشأتها‬           ‫لكنه يظل‪ ،‬رغم ذلك وعن طريق اللغة‪ ،‬قاب ًضا على‬
  ‫وموقفها الرافض للعنصرية‪ ..‬كل ذلك ربما يكون‬          ‫اللحظة الآنية‪ ،‬راب ًطا بين الحكايتين والزمنين رب ًطا‬
   ‫استبا ًقا مناسبًا لموقفها‪ ،‬الذي سيظهر لاح ًقا‪ ،‬من‬   ‫وثي ًقا بتعبير تلقائي مؤ ّثر‪ ،‬يقول (ص‪« :)7‬اهتزت‬
 ‫علاقة كمال البدوي بمها المدنية‪ ،‬وهو استباق يثير‬            ‫بطنه ضحكا وهو يتذكر‪ .»..‬و(ص‪« )8‬بالكاد‬
 ‫رغبة المتلقي ويق ِّوي فضوله ويص ِّحح عزيمته على‬        ‫كتم ضحكته حتى لا يلفت نظر الر َّكاب إليه حين‬

‫تتبع مسار السرد بلهفة وشوق لا يخلوان من تطلُّع‬                                               ‫تذ َّكر‪.»..‬‬
  ‫وتوتر حول ما إذا كانت ستؤدي دو ًرا إيجابيًّا في‬             ‫ولم يغب هذا التوشيج بين هذه المحاور في‬
                                                           ‫الاسترجاع الثاني‪ ،‬يقول فارس مخاطبًا كمال‬
‫حل هذه المعضلة الاجتماعية العاطفية‪ ،‬وما إذا كانت‬      ‫(ص‪« :)10‬مثلما تفعل مها الآن معك»‪ .‬ثم يكرر هذا‬
    ‫ستفلح في مسعاها إذا سعت‪ .‬هي أسئلة أثارها‬            ‫الربط باسترجاع داخلي تكراري (ص‪« :)11‬مثلما‬
     ‫السرد بإتقان وأ َّجل الإجابة؛ فحقق التشويق‪.‬‬         ‫تفعل مها الآن»‪ .‬وهذا كله يدل على وعي الكاتب‬
                                                           ‫بقضية الزمن من خلال المراوحة بين زمنين‪،‬‬
 ‫الاسترجاع الداخلي في رواية (شمال‬                     ‫حيث استطاع بكفاءة أن يمزج بين الزمنين ليرسم‬
                ‫شرق)‬                                      ‫مصي ًرا مشتر ًكا بين علاقتين متشابهتين‪ ،‬وهو‬
                                                      ‫مصير منتظر ومؤجل في ضمير السرد‪ ،‬لكنه شائق‬
 ‫يتحقق الاسترجاع الداخلي (مثليّ القصة) بالرجوع‬
‫إلى زمن ماض لكنه لا يخرج عن الخط الزمني العام‬                                 ‫وجاذب لمواصلة القراءة‪.‬‬
                                                            ‫والسارد ‪-‬إذ ُيق ِّدم شخصية جديدة‪ -‬يسعى‬
    ‫للسرد الأول ِّي‪ ،‬هو عودة إلى ماض سردي قريب‬              ‫إلى إضاءة سوابق هذه الشخصية‪ .‬هكذا فعل‬
  ‫داخل العمل نفسه‪ .‬وقد يتخذ صورة (التكرار) أو‬             ‫(السلايمة) حين أدخل شخصية الأب فأوضح‬
                                                          ‫لنا طموحه نحو ابنه كمال‪ ،‬وكشف عن سماته‬
                              ‫صورة (التكميل)‪.‬‬           ‫الشخصية‪ ،‬وقد سبق القول فيها‪ .‬وهكذا فعل مع‬
                  ‫الاسترجاع الداخلي التكراري‪:‬‬             ‫(ريما الخليلية) والدة التلميذة مها؛ فهي سيدة‬
        ‫يعود السرد في هذا النمط على أعقابه جها ًرا‬      ‫وفدت إلى هنا من مدينة الخليل الفلسطينية‪ ،‬وهي‬
     ‫وبصراحة‪ .‬وبالطبع لا يمكن له أن يبلغ أبعا ًدا‬         ‫‪-‬كما يبدو من السرد (ص‪ –)16‬بيئة متحضرة‬
    ‫نصية إلا ناد ًرا‪ ،‬بل يكون تلميحات من الحكاية‬            ‫لا تعرف التعصب المقيت ولا العنصرية نحو‬
  ‫إلى ماضيها الخاص‪ .‬ويبدو لي (السلايمة) مفتو ًنا‬        ‫الآخر؛ فبفضل سوابقها الحضارية التي أتت بها‬
   ‫بهذا النمط فتنة ظاهرة‪ .‬يقول مث ًل (ص‪« :)9‬بدا‬
     ‫كمال ببنطاله الجينز وقميصه الأزرق الملتصق‬
     ‫بجسده الممشوق وحذائه الرياضي‪ .»..‬ثم نقرأ‬
   ‫(ص‪« :)12‬كل شيء فيه يأسرها‪ :‬قوامه‪ ،‬أناقته‪،‬‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25