Page 225 - merit 49
P. 225

‫الملف الثقـافي ‪2 2 3‬‬

‫وقد أنشأ محمد علي مدرسة‬           ‫المصري في موقعة نوارين‬         ‫مراكب تجارية وعمل على‬
 ‫بحرية بالإسكندرية لتخريج‬             ‫‪ 1829‬قرر محمد علي‬       ‫تسليحها‪ ،‬وبعد ذلك اشترى‬
                                     ‫تأسيس ترسانة كبرى‬        ‫سفنًا حربية‪ ،‬وفي عام ‪1818‬‬
  ‫الضباط‪ ،‬كما ترجم العلوم‬              ‫بالإسكندرية لإنشاء‬     ‫أمر ببناء ثلاث سفن مزودة‬
 ‫البحرية وأنشأ مكتبة تحوي‬                                      ‫بمدافع «فرقاطة»‪ ،‬لكنها لم‬
                                ‫أسطول جديد بأيد مصرية‪،‬‬         ‫تصل إلى مستوى فرقاطات‬
  ‫الكثير من العلوم البحرية‪،‬‬        ‫وتم له هذا العمل بفضل‬
 ‫ونبغ من هذه المدرسة كثير‬                                            ‫الأساطيل الأوروبية‪.‬‬
 ‫من الضباط البحريين الذين‬        ‫مهندس فرنسي يدعى «دي‬            ‫وبحلول عام ‪ ،1821‬طلب‬
 ‫رفعوا علم مصر عاليًا فوق‬           ‫سريزي»‪ ،‬وهو مهندس‬
 ‫ظهر البحار‪ .‬وظهر في عهده‬           ‫بحري من ميناء طولون‬             ‫السلطان العثماني من‬
                                    ‫اشتهر بالكفاءة والخبرة‬         ‫محمد علي مساعدته في‬
     ‫كثير من رجال البحرية‬                                         ‫قمع ثورة بلاد اليونان‪،‬‬
‫المشهورين‪ ،‬أمثال «إسماعيل‬         ‫في بناء السفن والأحواض‬        ‫لاحظ أنه بحاجة إلى سفن‬
 ‫بك» و»محرم بك» و»عثمان‬          ‫والترسانات‪ .‬وقد كلف دي‬             ‫حربية لكي يقوم بتلك‬
                                 ‫سريزي بتدريب المصريين‬         ‫المهمة‪ ،‬فبدأ في شراء السفن‬
          ‫نور الدين باشا»‪.‬‬                                     ‫الأوروبية‪ ،‬وأوصى بإنشاء‬
    ‫وفي الختام يمكننا القول‬        ‫على هذه الصناعة ليحلوا‬        ‫سفن لحسابه في الموانيء‬
   ‫إن محمد علي اِس َتطا َع أن‬         ‫محل الأجانب بمجرد‬         ‫الأوروبية مثل «مرسيليا»‬
    ‫يؤسس جي ًشا وأسطو ًل‬                                          ‫و»ليفورن» و»تريستا»‪،‬‬
     ‫حربيًّا قويين مكناه من‬        ‫اتقان هذه الصناعة‪ .‬وفي‬          ‫وجهزها بالمدافع‪ ،‬وبعد‬
    ‫تحقيق أحلامه التوسعية‬          ‫‪ 31‬يناير ‪ 1831‬نزلت إلى‬       ‫فترة وجيزة‪ ،‬إذا بأسطول‬
   ‫ومشروعه النهضوي‪ ،‬إلا‬           ‫البحر أول سفينة مصرية‬        ‫مصري على أهبة الاستعداد‬
 ‫أن انتصار مصر على الدولة‬           ‫من هذه الترسانة‪ ،‬وبعد‬
    ‫العثمانية أثار لدى الدول‬      ‫قليل بدأ المصريون يحلون‬            ‫للانضمام للأسطول‬
    ‫الأوروبية الكبرى مسألة‬        ‫محل الخبراء الأجانب‪ ،‬ثم‬     ‫العثماني‪ ،‬وعهد بقيادة سفنه‬
    ‫توازن القوى بين الشرق‬         ‫جاء «موجيل بك» ليؤسس‬
                                 ‫مدرسة للملاحة‪ ،‬وبالإرادة‬      ‫إلى قباطنة السفن التجارية‬
      ‫والغرب‪ ،‬فلم تكن هذه‬        ‫القومية والمثابرة على العمل‬   ‫في الإسكندرية وإلى قباطنة‬
  ‫الدول تسمح بتفوق مصر‬              ‫تم في أربع سنوات بناء‬       ‫من الترك‪ ،‬وجعل ملاحيها‬
   ‫وتوسيع نفوذها‪ ،‬وانتهى‬         ‫أسطول من ‪ 30‬قطعة‪ ،‬بكل‬
                                ‫منها مئة مدفع وسبع قطع‪،‬‬            ‫ونوتيتها من المصريين‬
     ‫الأمر بتحطيم طموحات‬                                            ‫المتطوعين‪ ،‬واستدعى‬
  ‫الباشا اقتصاد ًّيا وسياسيًّا‬       ‫بكل منها ستون مدف ًعا‬
‫بعقد معاهدة بلطه ليمان عام‬      ‫وثلاث بواخر‪ .‬وأصبح يعمل‬            ‫لها الضباط الفرنسيين‬
  ‫‪ ،1838‬ومعاهدة لندن عام‬                                       ‫والإيطاليين ليشرفوا عليها‪،‬‬
‫‪ 1840‬التي حرمت محمد علي‬           ‫على هذا الأسطول ‪ 18‬ألف‬
 ‫من انتصاراته الخارجية‪ ،‬إلا‬        ‫بحار منهم ‪ 800‬ضابط‪.‬‬             ‫وأي ًضا ليعلِّموا البحارة‬
  ‫أنها جعلت لمصر شخصية‬            ‫ولم يقف محمد علي سواء‬          ‫المصريين وليعدوهم لهذا‬
  ‫دولية‪ ،‬بعد أن كانت مجرد‬           ‫في أسطوله أو في جيشه‬
                                 ‫عند الخبرة الفرنسية فقط‪،‬‬                         ‫العمل‪.‬‬
       ‫ولاية عثمانية متميزة‬       ‫بل استعان كذلك بالخبرة‬            ‫وكانت في الإسكندرية‬
                   ‫‪-----‬‬          ‫الإنجليزية‪ ،‬فأوفد البعوث‬         ‫ترسانة قديمة لصناعة‬
                                                                    ‫السفن قام محمد علي‬
 ‫* باحث في التاريخ الحديث‬            ‫إلى فرنسا وإلى إنجلترا‬      ‫بإحيائها‪ ،‬حيث بنى فيها‬
                 ‫والمعاصر‪.‬‬       ‫لتتدرب على الفنون الحربية‬        ‫بعض السفن على الطراز‬
                                  ‫فوق ظهر السفن الحربية‪.‬‬       ‫القديم‪ .‬وبعد تدمير الأطول‬
   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230