Page 259 - merit 49
P. 259

‫انا ابن الغناء والعدودة والكلام‬
   ‫المسجوع والمواويل‪ ،‬ورغم‬

‫انخفاض نبرة صوت قصيدة النثر‬
  ‫إلا أنها تعلو عندي‪ ،‬فالحكي‬
  ‫بالصوت غير النبس بالشفاه‪،‬‬
  ‫كان القصاصون يضجرون لو‬
 ‫قرأت قصة في محفل أو ندوة‬
   ‫وجاء دوري الأول‪ ،‬مع أنني‬
  ‫كنت أحرص أن أكون الأخير‪،‬‬
 ‫أنا أحب أصحابي وأحب الكتاب‬
      ‫وأقدمهم‪ ،‬أظن‪ ‬ذلك‪.‬‬

      ‫الدوحة‪ ،‬لدي مكتب كبير به‬          ‫وشرر‪ ،‬وقرأت روايات متوسطة‬          ‫هذا هو الريف الذي عشته حرفيًّا‪،‬‬
‫سكرتيرة وعامل البوفيه فقط‪ ،‬كنت‬          ‫القيمة لأمين يوسف غراب وعبد‬        ‫كنا نعتقد أننا أغنياء وحين هبطنا‬
‫إذا حان ميعاد المقال الشهري أنزل‬      ‫الحليم عبد الله ويوسف السباعي‪،‬‬
                                                                                    ‫القاهرة اكتشفنا عرينا‪.‬‬
   ‫من المكتب للمقهى لأعود به بعد‬            ‫وقبلها قرأت كل كتب محمد‬         ‫كان أهم كتاب متداول بيننا هو‬
                          ‫فترة‪.‬‬       ‫حسنين هيكل التي كان أبي يعتبره‬
                                                                              ‫البخاري‪ ،‬بل إننا كنا نحلف به‬
     ‫لا يزعجني وجود الناس‪ ،‬بل‬                         ‫النبي بلا رسالة‪.‬‬    ‫ونقول «والبخاري اللي هو أكبر من‬
   ‫يزعجني عدم وجودهم‪ ،‬لا أرى‬               ‫جئت القاهرة محم ًل بالريف‬
‫أح ًدا حين أكتب في المقهى‪ ،‬المهم ألا‬      ‫الخام‪ ،‬لم أسقط في هوة زهرة‬         ‫المصحف»‪ ،‬وكانت لغة الأزهرية‬
 ‫يكون هناك غناء‪ ،‬إذا حضر؛ أترك‬         ‫البستان‪ ،‬سقطت في المقهى‪ ،‬أبحث‬      ‫وكتبهم هي الطاغية رغم أن وجود‬
 ‫لوحة الكتابة أو القلم‪ ،‬أذني تذهب‬           ‫عن بشر أكلمهم‪ ،‬هنا وجدت‬         ‫جمال عبد الناصر جعل ألفية ابن‬
  ‫خلفه فو ًرا وتختفي الكتابة‪ ،‬حين‬        ‫كل شيء‪ ،‬من دلني على الطعام‬
‫جربت مرة أن أكتب في البيت كنت‬            ‫والسكن‪ ،‬ومن دلني على نفسي‬           ‫مالك في مرتبة ثانية‪ ،‬حيث بدأنا‬
   ‫أسمع كل حركة وأتضرر حتى‬             ‫وسط محيط متوحش‪ ،‬هنا نشأت‬           ‫ُن ُظم تعليم أخرى رديئة أي ًضا‪ ،‬ربما‬
                                          ‫رابطة الأم البديلة‪ ،‬أقرأ وأكتب‬
             ‫طردوني من البيت‪.‬‬          ‫وآكل في المقهى‪ ،‬لا أعود للبيت إلا‬   ‫لبعدنا المكاني وربما لقوة الألفية‪،‬‬
     ‫فكرة المنظمة العربية للمقاهي‬                                            ‫كان حظي أفضل بعض الشيء‪،‬‬
   ‫جاءتني بعد أن تركت العمل في‬                    ‫للاستحمام أو النوم‪.‬‬      ‫كانوا يخزنون كتب وزارة الثقافة‬
  ‫الجامعة العربية‪ ،‬كنت أحاول أن‬          ‫نعم‪ ،‬لم أكتب حر ًفا خارجه‪ ،‬ولا‬
  ‫أطبق الديمقراطية على نفسي‪ ،‬أن‬                                                ‫داخل المخازن‪ ،‬وبعض بواقي‬
   ‫أحظى برئاسة لفترتين ثم أترك‬            ‫حتى مقا ًل‪ ،‬حتى الحوار الذي‬         ‫منظمة الشباب‪ ،‬نعم كان حظي‬
                                       ‫أكتبه الآن‪ ،‬حين كنت مدي ًرا لمكتب‬   ‫أفضل‪ ،‬قرأت بروتوكولات حكماء‬
                                                                          ‫صهيون وتعرفت على نجيب سرور‬
                                                                             ‫صاحب الجملة المنسابة بنعومة‬
   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264