Page 165 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 165

‫حول العالم ‪1 6 3‬‬

‫الأخرى للاوعي وف ًقا لفرويد‬     ‫«ما قبل الحداثة» التي نجدها‬        ‫للتفكير التحليلي (يختلف عن‬
 ‫هو غياب الصور التي تصفه‬           ‫في المتاحف أكثر من تأثرنا‬        ‫التدريب ‪ ،)training‬غير أن‬
  ‫بشكل عادل‪ .‬على الرغم من‬           ‫بالحقائق المادية المستمرة‬        ‫التحليل النفسي التنقيضي‬
‫مقارناته المتكررة بين التحليل‬    ‫لبعض هذه الثقافات العابرة‬
                                      ‫للحداثة‪ ،‬والتي لا يزال‬           ‫يستلزم تشو ًها تحليليًّا‪.‬‬
    ‫النفسي وعلم الآثار‪ ،‬ميز‬      ‫الكثير منها بيننا‪ .‬على سبيل‬          ‫بمعنى آخر الكتابة ليست‬
 ‫فرويد بدقة الظواهر المادية‪..‬‬        ‫المثال في وقت سابق من‬          ‫ِحرفة مجردة تخص المؤلف‬
                                                                      ‫أو الناقد الأدبي فحسب؛‬
     ‫من الطاقة النفسية‪ .‬قال‬     ‫الكتاب‪ ،‬كتبت عن موقعي‪ ،‬أو‬             ‫الكتابة هي نقش ملموس‬
    ‫إن التحليل النفسي ُيدرك‬       ‫مكانتي من القبائل الأصلية‬
‫الحياة العقلية من خلال ثلاث‬        ‫في نيو مكسيكو‪ .‬هذا البعد‬            ‫لنظام الترميز وعلى هذا‬
    ‫وجهات نظر ‪-‬ديناميكية‬          ‫الأيديولوجي للكتابة (حيث‬           ‫النحو فإنها دائ ًما ما تكون‬
   ‫واقتصادية وطبوغرافية‪-‬‬          ‫أنه ليست كل أنواع الكتابة‬           ‫مصحوبة بشبح القانون‪.‬‬
 ‫كل منها يقاوم عم ًدا التمثيل‬
   ‫البصري‪ .‬حتى عندما ق َيّم‬          ‫أيديولوجية) هو السبب‬              ‫بالإضافة إلى ذلك هناك‬
  ‫فرويد في وقت متأخر ج ًّدا‬          ‫في أنني عندما أذكر لأي‬             ‫متعة حقيقية في الكتابة‬
   ‫من حياته دور البناء الذي‬       ‫شخص في الولايات المتحدة‬             ‫‪ jouissance‬لأن الحرف‬
‫يقوم به المحلل أثناء التحليل‪،‬‬      ‫أن جذوري مصرية فإنهم‬             ‫يقتل الجسد‪ .‬يصبح الجسد‬
     ‫كان هناك أي ًضا يتفادى‬      ‫يفكرون على الفور (أي دون‬             ‫الذي تم اقصاؤه في اللغة‬
                                 ‫وعي) في أهرامات الجيزة أو‬         ‫مصا ًبا بأعراض فرط الكتابة‬
           ‫الصور‪( .‬ص‪)64‬‬         ‫أبو الهول‪ ،‬ولكنهم لا يفكرون‬        ‫بواسطة دلالية الدال‪ .‬وهكذا‬
‫إن تمييز فرويد بين الظواهر‬      ‫أب ًدا في مصر الحديثة‪ .‬تفسير‬        ‫ُتحول الكتابة قضية اللفظة‬
                                ‫سعيد؟ الاستشراق‪ .‬المزيد عن‬             ‫إلى قضية البيان‪( .‬راجع‬
      ‫المادية والطاقة النفسية‬
      ‫لا يقل عن تمييز كانط‬             ‫ذلك في الفصل التالي‪.‬‬                  ‫لاكان‪ ،‬ص‪)650‬‬
   ‫(‪ ،1998 /1781‬ص‪)347‬‬                  ‫يتقصى سعيد في هذا‬             ‫التي تشير إلى أيديولوجية‬
  ‫بين الظواهر ‪phenomena‬‬           ‫المقتطف مقارنة فرويد بين‬
     ‫(عالم الحواس) ونومينا‬       ‫التحليل النفسي وعلم الآثار‬               ‫الكتابة‪ :‬الكتابة –كـ‪-‬‬
 ‫‪( )16(noumena‬عالم الفهم‪/‬‬          ‫وطريقته الجذرية في البناء‬          ‫استجواب ‪writing-as-‬‬
  ‫الإدراك) في الفلسفة‪ ،‬هناك‬            ‫(على عكس التفسير)‪:‬‬            ‫‪ )15(interpellation‬الكتابة‬
      ‫حيث يوجد عالم مادي‬              ‫ُتع ّد مادة الحياة العقلية‬  ‫تنهمر و ُت ْصلح وتعيد تموضع‬
    ‫حقيقي ليس لدينا مدخل‬        ‫بالنسبة لفرويد قابلة للتحليل‬        ‫الموضوعات (والأشياء) في‬
     ‫مباشر إليه‪ ،‬وبالتالي ما‬     ‫من خلال اللغة‪ ،‬لأنه لا يمكن‬      ‫الخطاب‪ .‬تدعم فنتازيا الخلود‬
  ‫نسميه الواقع هو تمثيلاتنا‬          ‫سوى للكلمات أن َت ْش ُغل‬       ‫المتخيل أيديولوجية الكتابة‪:‬‬
  ‫الرمزية الخيالية لهذا العالم‬  ‫اللاوعي بمهارة كافية لتح ُّمل‬        ‫يكتب المؤلفون نصوصهم‬
  ‫المادي الحقيقي الذي يتعذر‬        ‫ضغوطاته‪ .‬الأحلام ليست‬            ‫بنرجسية فائقة على أمل أن‬
 ‫الوصول إليه (أو اللاواعي)‪.‬‬        ‫مجرد صور تخبرنا شيئًا‬             ‫تستمر هذه النصوص من‬
    ‫لهذا السبب ينتقل فرويد‬         ‫ما‪ ،‬بل هي تفسير الأحلام‬           ‫بعدهم‪ .‬ألا تتناسب الكتابة‬
   ‫من التفسير إلى البناء لأن‬        ‫بالكلمات ‪-‬كلمات الحالم‪،‬‬       ‫كصيغة مجردة‪ ،‬والتي تشوه‬
     ‫الأول يفترض أن المحلل‬      ‫وكلمات المُ َحلل‪ -‬التي تخبرنا‬
  ‫يمكنه الوصول مباشرة إلى‬         ‫عن الأحلام‪ .‬من بين العديد‬             ‫الواقع تما ًما‪ ،‬مع منطق‬
  ‫الحقيقي بينما في الواقع لا‬          ‫من الخصائص السلبية‬            ‫الرأسمالية العنصرية؟ على‬
 ‫يمكنه سوى إعادة بنائه من‬
                                                                      ‫سبيل المثال‪ ،‬نحن بشكل‬
                                                                    ‫عام أكثر إعجا ًبا بالتمثيلات‬
                                                                  ‫المكتوبة للثقافات «القديمة» أو‬
   160   161   162   163   164   165   166   167   168   169   170