Page 172 - merit 51
P. 172

‫العـدد ‪51‬‬                            ‫‪170‬‬

                                ‫مارس ‪٢٠٢3‬‬                        ‫فكأن النظام الكوني اختل‬
                                                                    ‫وكأن العالم وجب عليه‬
‫ضربتها فأصابت المرمى ولم‬         ‫ولا تبهمه‪ ،‬ومقصدي‪ ،‬لكيلا‬
  ‫تخطئه‪ ،‬وعلى من اعتزلوها‬         ‫أرهق الأذهان‪ ،‬أن الضلوع‬      ‫الاعتذار‪ ،‬وهذا‪ ،‬للحق المبين‪،‬‬
                                                                 ‫بعض ما يطعن في الإنجاز‬
‫مبك ًرا فلم يكملوا مشاويرهم‬          ‫التي حوت ما حوته من‬
    ‫فيها أو رحلوا وتركوها‪،‬‬      ‫حبال الرمل الغاصة بدواعي‬       ‫الكروي الباسق الذي جرى‪،‬‬
                                                                   ‫ولكن على كل موافق أن‬
  ‫وعلى من يتعاطونها كما لو‬        ‫الملك والسؤدد على أطوالها‬
  ‫كانوا يتعاطون ما تستيقظ‬              ‫وامتداداتها‪ ،‬لا يجوز‬     ‫يبتهج ويهيئ نفسه للجديد‬
   ‫أحلامهم به‪ ،‬وعلى فترات‬                                       ‫المتواصل الجذاب والصادم‬
   ‫الاستراحة بين الأشواط‪،‬‬        ‫تصديق أنها لعبة بحتة‪ ،‬بما‬      ‫أي ًضا‪ ،‬وعلى كل معترض أن‬
  ‫وعلى ركلات الجزاء‪ ،‬وعلى‬        ‫للفظ من مفهوم عبثي ثابت‬
   ‫الوقت بدل الضائع‪ ،‬وعلى‬                                         ‫يضرب رأسه في عارضة‬
   ‫عربات إسعاف المصابين‪،‬‬            ‫في النفوس‪ ،‬كما لا يجوز‬        ‫المرمى إن شاء‪ ،‬والمهم ألا‬
                                  ‫إخراجها من أصلها بالكلية‬     ‫تفقد الكرة نفسها‪ ،‬تحت هذه‬
       ‫وعلى المدرجات‪ ،‬وعلى‬       ‫فيقال إنها شيء جاد للغاية؛‬        ‫الضغوط الثقيلة المفزعة‪،‬‬
   ‫الحسان ولطائفهن‪ ،‬وعلى‬        ‫فليست كذلك بالضبط‪ ،‬لكنها‬       ‫فالكرة يمكن أن تفقد نفسها‬
 ‫الشباب وحماسهم المتفجر‪،‬‬                                       ‫بسبب الأثقال والفزع فع ًل‪..‬‬
  ‫وعلى العواجيز وصمودهم‬             ‫«لعبة جادة» كما ابتكرت‬
                                 ‫التسمية ت ًّوا‪ ،‬جادة أكثر من‬      ‫لم تعد الكرة لعبة‪ ،‬ربما‬
        ‫المذهل‪ ،‬وعلى الأزياء‬    ‫غيرها مما في مقامها‪ ،‬ولعلها‬      ‫هذه مفاجأتي التي تعمدت‬
‫والقلانيس والأعلام والألوان‬
                                   ‫اختراع خارق‪ ،‬على الرغم‬         ‫تأخيرها‪ ،‬فالكرة لعبة في‬
    ‫والزين‪ ،‬وعلى الموسيقى‪،‬‬         ‫مما يبدو في ساحاتها من‬        ‫معاجم اللغة وفي قواميس‬
     ‫وعلى أصوات الجماهير‬
   ‫المندفقة‪ ،‬بأمداء المباريات‪،‬‬             ‫الأنماط المألوفة‪..‬‬       ‫البشر عوا ًّما وخوا ًّصا‪،‬‬
   ‫من كل الحناجر الصادقة‬              ‫لقد أخذت هذه القطعة‬        ‫لكنها لم تعد كذلك ح ًّقا‪ ،‬أو‬
                                ‫المستديرة من الجلد‪ ،‬المنفوخة‬   ‫هي من البداية لم تكن كذلك‬
       ‫الهادرة‪ ،‬تغني بصفاء‬         ‫بشروط خاصة‪ ،‬بتلابيبنا‬        ‫ونحن من كنا واهمين‪ ،‬وفي‬
      ‫المتصوفين‪ ،‬تغني كأن‬        ‫ولم نتأفف مع ذلك‪ ،‬وسبت‬         ‫هذا التوقيت خصو ًصا‪ ،‬بعد‬
 ‫الأزاهير بقضها وقضيضها‬          ‫ألبابنا وسحبتنا إلى مسارها‬      ‫أن تفوقت تفوقها العبقري‬
     ‫تغني‪ ،‬تغني كسوبرانو‬            ‫فطاوعنا نبضها وخطاها‬         ‫وصعدت صعودها الباذخ‪،‬‬
 ‫الأوبرا‪ ،‬وكظلال الكاريزما‪،‬‬           ‫راضين‪ ..‬صرنا ننتظر‬         ‫وصار عالمها شديد الثراء‪،‬‬
      ‫تغني لأن الغناء سلاح‬      ‫لقاءها بتلهف عشاق أضناهم‬
  ‫الطيبين‪ ،‬ولأنه آخر ما بقي‬         ‫الشوق وأفناهم التشهي‪،‬‬            ‫ماد ًّيا ومعنو ًّيا وتقنيًّا‪،‬‬
‫في أواني الشرفاء‪ ،‬تغني كما‬         ‫وإذا جاءت ثم مضت‪ ،‬كما‬           ‫وصار يتحلى بديناميكية‬
 ‫لو كان الغناء صب ًرا لا ينفد‪،‬‬        ‫يمضي الحي ويمضي‬          ‫مدهشة‪ ،‬على عكس الانحدار‬
‫تغني عالية واثقة نيرة كمثل‬       ‫الجماد إلى حال سبيلهما في‬         ‫الحضاري الشنيع الذي‬
  ‫أجراس الكنائس وابتهالات‬         ‫النهاية‪ ،‬صرنا كمن مضوا‬
   ‫الفجر‪ ،‬تغني كما لو كانت‬      ‫معها إلى حيث لا يعودون إلا‬          ‫شمل سائر الملموسات‬
      ‫من رفقة داوود النبي‪،‬‬      ‫وأيديهم في أيديها‪ ،‬وبين ذلك‬      ‫والمجردات والقيم في كافة‬
   ‫السلام على داوود النبي‪،‬‬       ‫كله نزف لكميات مهولة من‬
 ‫تغني كالكرة نفسها فالكرة‬          ‫الأحاسيس والمشاعر‪ ،‬ولا‬            ‫الأصقاع‪ ،‬لا سبيل إلى‬
   ‫تغني فتخطف الضحكات‬             ‫نعلم‪ ،‬والله‪ ،‬ما الكرة فاعلة‬    ‫وصفها باللعبة قط ًعا‪ ،‬لكن‬

                  ‫والدموع!‬              ‫بنا في آخر المطاف؟!‬         ‫أستطيع أنا أن أسميها‬
                                  ‫السلام على كل قدم مستها‬      ‫«اللعبة الجادة» فأقر بأصلها‬

                                     ‫م ًّسا جمي ًل‪ ،‬وكل رأس‬      ‫مضي ًفا إليها صفة نقيضة‬
                                                                  ‫تجلي معنى الكلام المركب‬
   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177