Page 105 - merit 54
P. 105

‫نون النسوة ‪1 0 3‬‬                                                ‫وكل هذا لا يخرج عنه ما استوقف النقاد من‬
                                                                ‫جوانب فنية (وكل ما هو فني مورط سياسيًّا‬
  ‫فائقة في سمفونية فنية تنتهي إلى استخلاص هذا‬                  ‫بالضرورة كما يقول أهل الدراسات الثقافية)‪.‬‬
               ‫التعبير منا‪ :‬وإن من البيان لسح ًرا!‬             ‫ونقف الآن وقفة سريعة مع بعض النصوص‬
                                                          ‫المقتبسة التي استوقفتنا أو استوقفت القراء والنقاد‪،‬‬
‫سحر يتسرب أي ًضا من تلك الرمزية التي استوقفت‬                ‫والتي تحمل كثي ًرا من الصور الجميلة والتراكيب‬
     ‫الدائرة النقدية‪ ،‬إذ نلاحظ أن عزة رشاد تختم‬
                                                                        ‫الذكية التي تفضح ح ًّسا لغو ًّيا عاليًا‪.‬‬
   ‫«الرواية بخيالية رمزية فتقول إن مشروع إقامة‬             ‫«تسامحها بهزة من رأسها وتتساءل في نفسها هل‬
   ‫مزار للبيه تحت شجرة اللبخ استمر قائ ًما إلى أن‬
‫اكتمل واحتفل الأهالي بذلك بإطلاق النار والزغاريد‬              ‫بإمكانها أن تسامح بنفس السهولة الزمن الذي‬
                                                                       ‫أسقط منها سه ًوا أكثر من ربع قرن؟‬
     ‫وصار الناس يقدمون إليه النذور‪ ،‬لكن رائحة‬
   ‫كريهة كانت تنتشر فتزكم الأنوف‪ ،‬على أن رواد‬             ‫كانت قبلها في مثل جمال ونضارة هذه الـ»قمر» بل‬
                                                           ‫ربما كانت تفوقها استبشا ًرا‪( .»..‬الرواية‪ :‬ص ‪)12‬‬
     ‫المقام بقوا يتمسحون بالضريح مرددين «شي‬                ‫«عندما تشعر شفاعة بدنو أجلها‪ ،‬وتسائل نفسها‬
  ‫لله يا سيدي‪ ..‬يا ولي الله‪ ..‬مرت السنون وتغيرت‬           ‫عن كفتي ميزان أعمالها‪ ،‬لن تضع بين سيئاتها هذه‬
   ‫أحوال القرية وتحولت السراية إلى فراغ‪ .‬ختمت‬
                                                             ‫النزهة الصغيرة أو هذا السر الذي تعاهدت عليه‬
    ‫الكاتبة روايتها بالقول «قد يكون درب السوالمة‬              ‫أربع من بنات حواء‪ ،‬مختلفات في أغلب الأمور‪،‬‬
 ‫مسر ًحا لصراع دار بين الحب والتسامح والجشع‬                    ‫داخل حنطور يجره عربجي بذراع واحدة‪ ،‬ولا‬
                                                          ‫اصطحابها لفارس في درب السوالمة في ليالي الجمع‬
   ‫والأنانية والولع بالسلطة‪ ،‬أو قد يكون أي شيء‬            ‫التي يقضيها البيه لدى أصدقائه‪( .»..،‬الرواية‪)44 :‬‬
   ‫آخر عدا أنه سيظل مثي ًرا للدهشة أن تطلق صفة‬             ‫« ُتصغي لدور «كنت فين» لعبده الحامولي‪ ،‬بصوت‬
                                                           ‫عدنان‪ ،‬فينحفر في وجدانها‪ ،‬صارت تحمله وتهرب‬
     ‫(جنة) على مكان تندم فيه بعد عشر دقائق من‬                  ‫إلى ممرات البيت الخاوية‪ ،‬أو تسرع إلى المطبخ‬
  ‫وصولك إليه لكونك لم تحضر معك كمامة طبية»‪.‬‬                    ‫وتصر على تقطيع البصل كي تتخذ من رائحته‬
  ‫(مراجعة جورج جحا‪ ،‬موقع رويترز العربي‪14 ،‬‬                ‫النفاذة مبر ًرا لتحرير دمو ٍع تهفو للانعتاق وتخشى‬
                                                            ‫المساءلة‪ ،‬يحملها اللحن فوق أجنحة الوجد‪ ،‬فتهيم‬
                                   ‫مايو ‪)2014‬‬              ‫بخيالا ٍت عن حيا ٍة لم تجرؤ على الحلم بها من قبل‪،‬‬
      ‫سوف يظل موقفنا الإيديولوجي ملاز ًما لتلك‬                 ‫ترسم بيو ًتا مشرعة للسماء ترتفع من داخلها‬
     ‫المقولة الماركسية الهامة التي احتفى بها إدورد‬              ‫الضحكات وأ َّنات الفرح‪( ».‬الرواية‪ :‬ص‪)253‬‬
  ‫سعيد كثي ًرا‪« :‬إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم‪،‬‬               ‫كل هذا السرد الثري الذي يجمع بين التفاصيل‬
 ‫هم محتاجون إلى من يمثلهم»‪ ..‬والرواية فيما وراء‬            ‫وبين جودة توزيعها على حكاية تنزلق برشاقة من‬
 ‫هذا النزوع الجمالي الذي يحدث‪ ،‬له أن يشغلنا عن‬            ‫اللغة العربية الأنيقة صوب اللهجة المصرية البدوية‬
     ‫الأبعاد التمثيلية للاشخاص‪ /‬الشحصيات هي‬
‫طريقة وفيه لإصلاح الكسور التي تعج بها الحياة‪.‬‬                    ‫الرشيقة اللذيذة‪ ،‬دون شعور بأدنى نشاز‪..‬‬
‫الرواية منبر حر يصبغ الجمالية نفسها على المهيمن‬            ‫وكل هذا التحكم في الآلة السردية من خلال ضبط‬
     ‫والمهيمن عليه؛ محق ًقا شيئًا ها ًّما س َّماه الجدود‬    ‫الإيقاعات الكثيرة للنفسيات‪ ،‬والأحداث‪ ،‬والتوازي‬
       ‫العدالة الإلهية‪ ،‬وجددنا تسميته حسب مزاج‬
  ‫عصرنا‪ :‬العدالة الاجتماعية‪ .‬المساواة أمام القانون‬           ‫مع الوقائع التاريخية‪ ،‬وكذا المزاوجة بين السرد‬
       ‫الجمالي الذي يسهر السرد على تطبيقه داخل‬            ‫والوصف والتذكر والتقاط نبض اللحظة الحاضرة‪،‬‬
‫الأعمال الروائية‪ .‬وربما تكون الممانعة التي نحلم بها‬
 ‫كطريق لتغيير خرائط الهيمنة كامنة في هذا التمثيل‬             ‫والموازنة الجيدة بين نفسيات الطفولة والنضج‪،‬‬
    ‫السردي الذي يقول الحقائق كلها مان ًحا الجميع‬           ‫النساء والرجال‪ ،‬المثقفين والأميبن الجهلة‪ ،‬الوقائع‬
‫الحق في السرد‪ ،‬في الحديث الباطني وفي دعوة آلاف‬
   ‫القراء إلى الإنصات إلى رواية مواجع أولئك الذين‬             ‫والتأويلات الخرافية‪ ..‬ويشتغل كل ذلك ببراعة‬

            ‫كثي ًرا ما طالتهم بروطوكولات الصمت‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110